مقديشو برس
بعد أن تركزت الأنظار على منطقة الشرق الأوسط بسبب استهداف الحوثيين لسفن الشحن التي تمر عبر خليج عدن ومضيق باب المندب، ردا على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، جذبت اتفاقية إثيوبيا وأرض الصومال -التي لم تعترف بها أي دولة منذ 30 عامًا لانفصالها عن الصومال- مزيدا من الأنظار إلى هذه المنطقة.
ووفقًا للاتفاقية، التي وقعت مطلع يناير/كانون الثاني الماضي، ستتاح لإثيوبيا الفرصة للولوج إلى البحر الأحمر بمساحة تبلغ 20 كيلومترًا على الأقل من الأراضي الصومالية.
وبناء على ذلك، عبّرت العديد من الدول، بما فيها الولايات المتحدة والصين وبريطانيا وفرنسا، عن قلقها من إمكانية تفاقم الوضع بخليج عدن الذي يعتبر ممرًا هامًا للتجارة والملاحة البحرية العالمية.
وفي 8 فبراير/شباط الجاري، زار وزير الدفاع الصومالي عبد القادر محمد نور أنقرة لتوقيع “اتفاقية إطارية للتعاون الدفاعي والاقتصادي” مع نظيره التركي يشار غولر. وفي 21 فبراير/شباط أعلن وزير الإعلام الصومالي داود عويس على موقع “إكس” أن “هذه الاتفاقية مع تركيا تمت الموافقة عليها بسرعة في الحكومة والبرلمان”.
وتكشف كل هذه التطورات السريعة بوضوح عن وجود مستجدات هامة جدًا في منطقة القرن الأفريقي، مع احتدام التوتر بشكل واضح، ويرى الكثير من الخبراء والصحفيين والدبلوماسيين أن التوقيع المفاجئ على هذه الاتفاقية الهامة بين تركيا والصومال أمرٌ مثير للدهشة ويطرح العديد من التساؤلات.
تعليمات عاجلة
وقالت مصادر مسؤولة في أنقرة -للجزيرة نت- إن “الطلب جاء من حكومة الصومال، وأعطى الرئيس رجب طيب أردوغان شخصيًا تعليمات بإعداد الاتفاقية، حيث أصدر توجيهات لوزارتي الدفاع والخارجية بضرورة توقيع اتفاقية عاجلة للتعاون الدفاعي والاقتصادي مع الصومال والمنطقة، لتجنب حدوث حالة فوضى وتدهور الوضع الحالي، وقد اُعِدّت الاتفاقية في غضون 10 أيام وتم توقيعها بعد ذلك”.
وأشار رئيس مركز “الدراسات الإستراتيجية الأفريقية” في إسطنبول مصطفى إفه إلى أن أهم أسباب توقيع إثيوبيا لاتفاقية مع أرض الصومال هو ولوجها إلى البحر، لكن هذا يشكل مشكلة خطيرة لحكومة مقديشو، لأنه في الوقت نفسه يعد خطوة جادة نحو إعلان استقلال أرض الصومال.
وأوضح أن هناك دولا “تدعم استقلال أرض الصومال مثل بريطانيا والدول المقرّبة منها، كما تقوم الإمارات ببناء ميناء هناك، لذلك اتخذت حكومة مقديشو خطوة مقابلة بتوقيع اتفاقية دفاع مع تركيا، التي تحظى بثقتها، للدفاع عن سلامة أراضيها”.
ولا تشير مصادر أمنية في أنقرة إلى الاتفاقية بين إثيوبيا وأرض الصومال فقط، بل أيضًا التطورات الأخرى بالمنطقة وتقول “إذا قام الحوثيون بإغلاق مضيق باب المندب بالكامل، فإن الأزمة ستتفاقم بشكل كبير، وقد تقوم الدول الكبرى بتعزيز عسكري بدعوى تصاعد التوتر، وقد تحاول السيطرة على خليج عدن وتتدخل في المنطقة، بما يصل إلى تغيير الحدود على الخريطة، ولا نستبعد هذه الاحتمالات”.
تمتد “الاتفاقية الإطارية للتعاون الدفاعي والاقتصادي” التي أُبرمت مع الصومال لمدة 10 سنوات، ووفقًا للمعلومات المتوفرة من أنقرة، فإن مجالات التعاون تشمل:
- إدخال الموارد البحرية في الاقتصاد.
- تخطيط وتنفيذ العمليات الجوية والبرية والبحرية المشتركة، في حال الحاجة للدفاع فيما يتعلق باستخدام هذه الموارد.
- بناء السفن وإنشاء الموانئ والمرافق وتشغيلها، واتخاذ الترتيبات القانونية اللازمة لذلك، وتوحيد قوانين الملاحة البحرية بين البلدين.
- اتخاذ تدابير أحادية ومشتركة لمكافحة جميع أنواع التهديدات في المناطق البحرية الخاضعة للسيادة، مثل “الإرهاب” والقرصنة والنهب والصيد غير القانوني والتهريب.
- بناء منشآت أحادية ومشتركة وإقامة مناطق أمنية.
- تقديم الدعم التدريبي والتقني والمعداتي للجيش الصومالي.
- إنشاء وإدارة منشآت أمنية ساحلية.
- تطوير وتحديث القوة البحرية.
- منع التلوّث البحري.
وستحصل الشركات التي ستعمل في جميع هذه المجالات على الموافقة من تركيا، وسيتم فتح المجال الجوي الصومالي ومناطقها الأمنية بالكامل أمام أنقرة. وبعد الاتفاق الإطاري سيتم توضيح التفاصيل من خلال بروتوكولات فرعية.
الاتفاقية والمنطقة
وقال الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، في إجابته عن أسئلة الصحفيين بعد موافقة البرلمان على الاتفاقية “سننشئ قوة بحرية مشتركة، وسيقوم إخواننا الأتراك بحماية بحارنا لمدة 10 سنوات في إطار هذه الاتفاقية، وبعد 10 سنوات من التعاون، سيكون لدينا قوة بحرية لحماية بحارنا، ولا يتضمن الاتفاق أي غرض عدائي تجاه إثيوبيا أو أي دولة أخرى”.
وبموجب الاتفاقية، ستعمل تركيا على حماية ما يقارب 3 آلاف كيلومتر من ساحل الصومال، من كينيا إلى جيبوتي، بواسطة سفن حربية وجنود أتراك، ولم يتضح بعد إن كانت ستتم هذه الحماية في خليج عدن ومنطقة أرض الصومال، حيث سيتم تحديد الوضع بدقة إثر توقيع البروتوكولات الفرعية بعد الاتفاقية الإطارية.
ورغم أن تركيا لا تعترف بصورة رسمية بأرض الصومال، إلا أنها تحتفظ بعلاقات جيدة معها، كما وقعت في فبراير/شباط أيضًا اتفاقية تعاون عسكري مع جيبوتي، إضافة لاتفاقية تعاون مالي عسكري وبروتوكول تطبيق المساعدات النقدية. وهكذا بدأت أنقرة تضطلع بأدوار مهمة في منطقة القرن الأفريقي التي تعتبر حاليًا منطقة أزمات خطيرة.
وأشار السفير التركي السابق لتشاد والسنغال وأحد أبرز خبراء أفريقيا في تركيا، د. أحمد كافاش، إلى أن “الاتفاقية الموقّعة مع الصومال ستكون لها تأثيرات هامة في المنطقة” مضيفاً “على جانبي خليج عدن هناك اليمن وجيبوتي والصومال، وللمملكة المتحدة وفرنسا والولايات المتحدة وإسرائيل تأثير كبير في منطقة القرن الأفريقي، ولديهم قواعد عسكرية في إثيوبيا والصومال وجيبوتي”.
يقول كافاش “الآن، تأتي تركيا كقوة عسكرية إلى الصومال، ومن المحتمل أن تقوم بحماية المياه الساحلية في خليج عدن باستخدام سفن حربية. وبالطبع، سيؤدي ذلك إلى تغيير في التوازنات، لا أعتقد أن هذه الاتفاقية تم توقيعها فقط بسبب التعاون بين إثيوبيا وأرض الصومال، بل لأن منطقة القرن الأفريقي أهم ممر لتجارة السفن في العالم، وجميع الدول مهتمة بها، لذا قد تحدث مزيدًا من التطورات الهامة”.
وأوضح الدبلوماسي أسباب عدم إمكانية توقيع أي دولة أخرى هذه الاتفاقية مع الصومال قائلًا “عانى الصومال لسنوات طويلة من حروب أهلية مدمرة أدت إلى انهيار السلطة الحكومية. وفي هذه الحروب، دعمت العديد من الدول الكبرى والدول المجاورة أحد أطراف الصراع مما أدى إلى تفاقمه. في المقابل، أكدت تركيا باستمرار دعم وحدة الصومال ووجود الحكومة المركزية وعارضت إعلان استقلال أرض الصومال”.
ويرى رئيس مركز الدراسات الإستراتيجية الأفريقية مصطفى إفه أن العلاقة بين تركيا والصومال “تمتلك عمقا تاريخيا، ويجمع بين الدولتين تاريخ مشترك لمدة 381 عامًا خلال عهد الدولة العثمانية، كما تبلغ قيمة المساعدات الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية التي قدمتها أنقرة لمقديشو مليار دولار، وقامت تركيا ببناء مطارات وطرق ومستشفيات ومبانٍ حكومية، وهناك آلاف الطلاب الصوماليين يدرسون في تركيا، لذلك، تحتل تركيا مكانة خاصة في قلوب شعب الصومال”.
وأضاف “عام 2013، طلبت المملكة المتحدة في اجتماع بلندن دعم استقلال أرض الصومال، لكن تركيا عارضت ذلك، أما الحكومة الصومالية فكانت دائمًا تشعر بالاستياء من المواقف الاستعمارية للدول الأخرى تجاه الثروات الطبيعية والموارد البحرية، لذلك لا أرى أنه من الممكن أن توقّع الصومال هذه الاتفاقية مع دولة أخرى غير تركيا”.
ووصف وزير الدفاع الصومالي العلاقات بين البلدين، في مقال كتبه لوكالة الأناضول الأشهر القليلة الماضية، قائلا “على الرغم من أن تركيا تعتبر جهة بعيدة عن المنطقة، إلا أنها أظهرت بشكل مباشر ومن خلال سياستها في الصومال أنها قادرة على أداء دور بنّاء في أفريقيا بشكل عام، وبشكل خاص شرق أفريقيا، ومع تطور العلاقات بين البلدين بدءًا من عام 2011، أصبحت تركيا شريكًا لا يمكن تعويضه للصومال”.
وافتتحت تركيا سفارتها في الصومال عام 1979، لكنها اضطرت لإغلاقها عام 1991 بسبب الحرب الأهلية. وعام 2011، فتحت تركيا أكبر سفارة لها في العالم في العاصمة مقديشو، مما ساهم في تسريع تطور العلاقات بين البلدين.
وحتى الآن، قدمت تركيا مساعدات بقيمة مليار دولار بدون مقابل، كما يبلغ حجم التجارة حاليًا بين البلدين 280 مليون دولار، ومن المتوقع أن يزداد هذا الرقم مع التوقيع على الاتفاقيات الأخيرة.