مقديشو برس/ بقلم الصحفي أحمد محمد أحمد
في إطار النقاشات المستمرة حول السياسة الإقليمية وصراع النفوذ في القرن الأفريقي وتأثيره على الصومال، تناول المؤرخان والكاتبان الصوماليان محمد حاجي أنغريس والدكتور عبد الرحمن عبدالله باديو دور تركيا في الصومال، معبرين عن وجهات نظر متباينة بشأن هذا الدور. يعكس هذا النقاش العلاقات التاريخية المعقدة بين الصومال وتركيا، بالإضافة إلى التوجهات السياسية الحالية.
ينطلق محمد حاجي أنغريس من زاوية تاريخية يراه مليئة بالخذلان من قبل تركيا تجاه الشعب الصومالي، ويذكر أن في عام 1884، عندما كانت مدينة هرر تحت الحكم العثماني، انسحبت القوات التركية بشكل مفاجئ، مما ترك الصوماليين مكشوفين أمام القوى الاستعمارية المتزايدة في المنطقة، مثل الحبشة وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا. يعتبر أنغريس هذا الانسحاب بداية لمواقف خائبة أخرى من قبل الإمبراطورية العثمانية تجاه الصومال. ففي عام 1904، يشير حاجي أن تركيا أيدت الإمبراطور الحبشي منليك في صراعه ضد الصوماليين، مما زاد من مشاعر الخيانة في الأوساط الصومالي.
وكتب أنغريس عبر صفحته تويتر : ” أول مرة خانت تركيا الصوماليين كانت في عام 1884 عندما انسحبت بشكل مفاجئ، تاركة الصوماليين عُرضة للتهديد من القوى الاستعمارية المختلفة الحبشة، وبريطانيا، وفرنسا وإيطاليا. أما المرة الثانية فكانت في عام 1904 عندما اصطف المبعوث التركي إلى جانب الإمبراطور الحبشي منليك. والآن في عام 2024 تحت حكم أردوغان”
موقف محمد حاجي أنغريس يتجسد في التركيز على هذا الجانب التاريخي، ويؤكد أن الصوماليين لا يمكنهم أن ينسوا هذه الخيبات، مهما كان الدور الإيجابي الحالي لتركيا. إذ يرى أن القرار التركي في تلك الفترة كان له تأثير كبير على مصير الصومال في مواجهة الاستعمار، وأن هذه المواقف يجب أن تُؤخذ في الاعتبار عند تقييم دور تركيا اليوم.
على النقيض من محمد حاجي أنغريس، يتبنى الدكتور عبد الرحمن باديو موقفًا أكثر توازنًا في تناول العلاقات التركية-الصومالية، حيث يعترض على تحميل الحكومة التركية الحالية، بقيادة حزب العدالة والتنمية والرئيس أردوغان، مسؤولية تصرفات الإمبراطورية العثمانية في القرنين التاسع عشر والعشرين. في نظره، لا يمكن أن تُربط السياسات الحالية بما حدث قبل أكثر من مئة عام، فالحكومة التركية الحالية هي نتاج سياقات سياسية ودولية مختلفة تمامًا.
وقال الدكتور باديو: “لا أعتقد أنه من الصواب إلقاء اللوم على الحكومة الحالية لحزب العدالة والتنمية والرئيس أردوغان بسبب السياسات السيئة التي اتخذتها الإمبراطورية العثمانية أو حتى الإدارات التركية السابقة”
كما يشيد بالجهود التركية الحالية في الصومال، حيث يبرز الدور الإيجابي لتركيا في تقديم المساعدات الإنسانية، فضلاً عن التعاون الاقتصادي والاجتماعي الذي يعزز من قدرات الصومال في مجالات مثل البنية التحتية والتعليم، مؤكدا أن غالبية الصوماليين يقدرون هذه المبادرات التركية. ويدعو باديو إلى تقدير المساعدات التي تقدمها تركيا بدلاً من الانشغال بمراجعة السياسات السابقة التي لا يمكن تغييرها قائلا: “دور تركيا في الصومال يحظى بتقدير كبير من قبل غالبية الصوماليين. تدخُّلها الإنساني والتعاون الاجتماعي والاقتصادي لا شك فيه. يجب أن نكون ممتنين لشعب تركيا ولرئيسها أردوغان”.
يجسد النقاش بين محمد حاجي أنغريس والدكتور عبد الرحمن باديو التباين الكبير بين النظرة التاريخية التي تركز على الإخفاقات السابقة ووجهة النظر التي تركز على التعاون الإيجابي في الوقت الحاضر. بينما يركز حاجي أنغريس على العواقب التاريخية للقرارات العثمانية، يعبر باديو عن أهمية التفريق بين الماضي والسياسات الحالية. كما يشير هذا النقاش إلى ضرورة النظر في دور تركيا في الصومال من زوايا متعددة، مع الاعتراف بالمساهمة الإنسانية والتنموية الكبيرة التي تقدمها تركيا للصومال اليوم، وفي نفس الوقت عدم نسيان الدروس المستفادة من التاريخ.
جاء النقاش بين المؤرخين الصوماليين محمد حاجي أنغريس والدكتور عبد الرحمن باديو بعد “إعلان أنقرة” عن اتفاق بين الصومال وإثيوبيا لحل الأزمة بين البلدين، والتي استمرت نحو عام. تم التوصل إلى هذا الاتفاق بوساطة تركية في 11 ديسمبر 2024، خلال قمة في أنقرة جمعت الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد. الاتفاق أثار العديد من التساؤلات حول دور تركيا في العلاقات الإقليمية وتأثيره على مستقبل الصومال وإثيوبيا.
وتضمن الاتفاق أن يعمل البلدان معًا بشكل وثيق لتحقيق نتائج إيجابية في ما يتعلق بالإجراءات التجارية المشتركة من خلال الاتفاقيات الثنائية، مثل العقود والإيجارات، ما سيمكن إثيوبيا من الوصول الآمن والمستدام إلى البحر تحت السيادة الصومالية.
تدهورت العلاقات بين الصومال وإثيوبيا بعد توقيع إثيوبيا في يناير 2024 اتفاقًا مع “أرض الصومال” الانفصالية، الذي سمح لها باستخدام سواحل الإقليم لأغراض تجارية وعسكرية. وقد رفضت مقديشو هذا الاتفاق، معتبرة إياه غير قانوني ويشكل تهديدًا للسيادة ويضر بالعلاقات الطيبة بين البلدين. بينما دافعت الحكومة الإثيوبية عن الاتفاق قائلة إنه لا يؤثر على أي طرف آخر.