مقديشو برس / بقلم عبد الله الفاتح
الصومال، أرض التاريخ والجغرافيا والصراعات، يبدو أنه قرر أن يصبح مختبرًا حيًا لصراع الأفكار السياسية. هناك ثلاث نظريات سياسية تتجاذب المشهد، وكل منها تزعم أنها الترياق لمآسي البلاد. ولكن في هذا المسرح الكبير، يبدو أن الجميع مشغول أكثر بالمونولوجات الفردية بدلاً من العمل الجماعي لإخراج المسرحية. دعونا نستعرض هذه النظريات، بأسلوب ساخر، دون أن نخسر الجدية تمامًا.
1. نظرية الانفصال: “صوماليلاند وشبح السيادة المفقودة”
في الشمال، يصر أهل صوماليلاند على أنهم يستحقون دولة مستقلة. “لدينا عَلم! لدينا نشيد وطني! ولدينا انتخابات!” يرددون بشغف، وكأن الاعتراف الدولي مجرد كعكة تنتظر خبازًا يفتح الفرن.
لكن الحقيقة المؤلمة أن صوماليلاند عالقة في غرفة الانتظار الدولية. الدول الكبرى تهز رؤوسها وتقول: “يا لها من تجربة ديمقراطية رائعة!” ثم تُعيد النظر إلى مصالحها في مقديشو. وبينما يستمر سكان صوماليلاند في الاحتفال بذكرى استقلالهم غير المعترف به، تظل السيادة حلمًا أشبه بشراء سيارة رياضية بدخل موظف حكومي.
2. نظرية الفيدرالية: “بونتلاند وطموح الحكم الذاتي بنكهة خاصة ”
في الشرق، بونتلاند ترى نفسها الحارس الأمين لنظام الفيدرالية. “لماذا نجعل مقديشو تقرر كل شيء؟ نحن نعرف ماذا نريد: نفطنا، وقبائلنا، وطرائقنا الخاصة في الحكم!” يقولون بفخر.
لكن لنكن صريحين، الفيدرالية هنا ليست نظرية سياسية بقدر ما هي إستراتيجية لتجنب الصراعات. الجميع يريد قطعة من الكعكة، لكنهم يرفضون الطاهي في العاصمة. وربما لو ضمنت مقديشو توزيع المساعدات الدولية بانتظام وبشفافية، لكانت بونتلاند مستعدة للتنازل عن قليل من شعارات الاستقلال الذاتي.
3. نظرية المركزية: “مقديشو والحنين إلى المركزية (مع مساحيق تجميل )”
في العاصمة، هناك من يسعى جاهدا لإعادة بناء الدولة المركزية. دون الإفصاح عن نواياهم بشكل واضح. يروجون لفكرة أنه حان الوقت للعودة إلى النظام القوي الذي يحقق الاستقرار،
لكن المشكلة أن فكرة المركزية في الصومال تشبه اقتراح بناء قلعة رملية في وسط عاصفة. الأقاليم تنظر إلى مقديشو بحذر، وكأنها زعيم قبيلة يعرض عليهم معاهدة جديدة بعد أن خانهم في عشرين سابقة. ومع ذلك، يواصل المدافعون عن المركزية الحديث عن “توحيد البلاد”، رغم أنهم بالكاد يسيطرون على حدود العاصمة.
من يربح السباق؟
الحقيقة أن هذا الصراع ليس له خط نهاية واضح. الفيدرالية تبدو الخيار الذي يُرضي الجميع على الورق، لكنها لا تزال فكرة مثالية في بلد ترفض فيه القبائل حتى الاتفاق على مكان عقد الاجتماعات. الانفصال هو حلم رومانسي لصوماليلاند، لكنه يُشبه كتابة رواية ملحمية بدون ناشر. أما المركزية، فهي محاولة لإحياء جثة سياسية دون توفير أجهزة إنعاش.
ما يحتاجه الصومال اليوم ليس مزيدًا من الشعارات السياسية أو الخطط المثالية، بل قليلًا من الواقعية، والكثير من القهوة في اجتماعات طويلة، حيث يتحدث الجميع بصدق (ودون أسلحة). لكن إلى أن يحدث ذلك، يبدو أننا سنواصل متابعة هذا المسلسل السياسي الطويل، الذي لا يمل أبطاله من التمثيل، ولا يبدو أن أحدهم يعرف نهاية القصة