مقديشو برس
بقلم: عبد الرحمن عبد الشكور، عضو البرلمان الصومالي وزعيم حزب ودجر والمرشح الرئاسي لانتخابات 2026
أيها الشباب، يقف اليوم صومالنا الحبيب في لحظة تاريخية مفصلية، ويواجه شعبنا تحديات لا يمكن إنكارها في كل الأصعدة، سواء كانت؛ عدم الاستقرار السياسي، والتهديدات الإرهابية، والصعوبات الاقتصادية، وأزمات البيئية. ورغم ذلك هناك بارقة أمل وضوء في آخر النفق. فبينما وصل البعض إلى الإحباط واليأس والتعامل مع الوطن كمريض ميؤوس منه، أرى في خضم الألم أملا مشرقا وفرصة استثنائية. قد يصفنا البعض بدولة فاشلة وغارقة في أزماتها، لكنني أرى أمة تولد من رحم المعاناة من جديد.
لقد واجه الشعب الصومالي كل أصناف المحن واختبرت عقود من الصراع قوة تحمله ورباطة جأشه، ومع ذلك ما زال صامداً على وجه الظروف. حاولت الجماعات الإرهابية سحق عزيمته فلم تستطع، وحاولت المليشيات المتصارعة قتل أحلامه فأخفقت، لأن روحنا لا تقه وشخصيتنا -رغم المصاعب- لا تتزعزع. في الاخل شعبنا قهر المستحيل وواصل حياته رغم غياب دور الدولة في كثير من الأحيان. حتى أولئك الذين هاجروا إلى الخارج بحثا عن الفرص والملاذ انخرطوا في المجتمعات التي هاجروا إليها وتبوؤوا في أعلى المناصب، واليوم بدأوا يعودون إلى وطنهم الأمّ، مدفوعين بالعلم والتجارب وحب عميق لوطن يريدون إعادة إلى مكانه الطبيعي.
هذه الصراعات والعقبات حقيقية، لكنها ليست كل المشهد ولا تُعرّفنا كأمة. يُعلّمنا التاريخ أن الأمم العظيمة لا تُبنى في أوقات الرخاء وأن الحضارة لا تصنع في زمن الدعة، بل تُصنع في أوقات الشدة وتكالب المحن. مثل اليابان وألمانيا بعد الحرب، ومثل رواندا بعد الإبادة، سينهض الصومال أيضًا، وأنتم الأمل ومهندسو هذه النهضة، يا شباب الصومال. أنتم أملنا المشرق. أنتم الجيل الأكثر تعليمًا في تاريخنا. التكنولوجيا تربط بكم العالم وتذلل العقبات، وتمكّنكم من الابتكار. وُلدتم في ظروف صعبة وعشتم في أتون الحروب الأهلية، ولكن رفضتم الاستسلام، وها أنتم تحلمون بالسلام والتقدم وأماني تعانق السماء، وبالفعل بدأ هذا الحلم يتبلور إلى واقع ملموس. انظروا إلى حولكم: أمهات مكافحات استطعن تربية جيل التغيير، شباب متعلم ومتسلح بالمعرفة والمهارات. رجال أعمال يبنون مشاريعهم وساهموا في إسكات صوت الرصاص بهدير آلات البناء، ومحترفون يعودون بمهارات جديدة، والتغيير قادم بفضلكم.
أتطلع بتفاؤل إلى صومال:
- يسود فيه السلام ويحل الحوار محل العنف.
- يدفع التعليم والابتكار والاستثمار البشري نهضته
- يتجاوز “اقتصادات التسول” والاعتماد على المساعدات الخارجية.
- يستعيد موانئه وأراضه الخصبة ومراكزه التقنية، وفوق ذلك كرامته ومكانته الريادية.
يا شباب الأمة.. هذا المستقبل ليس خيالًا، بل هو خيار نتخذه اليوم. يبدأ بـ:
- الإيمان بالنفس والتغلب من المخاوف ورفض مقولة: الصومال بلد محكوم عليه بالفشل والزوال.
- رفض الانقسام والتجزئة والاعتراف بأن الوحدة تعزز مناخ الانتماء والاستقرار.
- اتخاذ الإجراءات اللازمة للنهضة.
يقول البعض إن الصومال هو المكان الذي تموت فيه الأحلام. أما أنا فأقول إنه المكان الذي تولد فيه الأفكار من جديد. لقد كان شرفًا لي أن أقف معكم في هذا النضال وأفنيت عمري في المساهمة في تنوير عقولكم وشحذ هممكم وترميم أحلامكم والمساهمة في بناء وطنكم. أعلم أنكم قادرون على تجاوز الأعباء التاريخية والتحديات الجغرافية والعقبات السياسية لبناء الصومال الذي نستحقه. ندوب الحرب عميقة وآثارها في النفس سحيقة، ولن يشفيها أي احتفال أو كلمات، والتغلب عليها يتطلب رؤيةً ثاقبةً وعملاً دؤوباً وقيادةً أقوى من القوى التي تحاول تثبيطنا وتقسيمنا.
أيها الشباب؛ يُعلّمنا تاريخنا درساً بالغ الأهمية: إذا لم يزدهر التسامح والتنوع هنا، فسيُكافحان في كل مكان. المعركة الحقيقية ليست بين العشائر أو المناطق؛ بل بين من يختارون التعايش والتسامح والوحدة، ومن يتمسكون بالانقسام والعنف. إذا بذلنا نفس الجهد الدؤوب الذي بذلناه في بناء البنية التحتية، الاتصالات، الأنظمة المالية، المدارس، والمستشفيات، والجامعات، والطرق، وشبكات الكهرباء – لإصلاح سياساتنا، فسنُحدث ثورةً في أمتنا.
أيها الشباب، دخلت الخدمة العامة شاباً غير واثق بالواقع، ولكنه مقتنعٌ بالحاجة إلى الإصلاح والرؤى الجديدة التي تقودنا إلى مستقبل أفضل. ما زلت أؤمن بإصلاح الواقع والعمل الجاد نحو مستقبلٍ يُحدث فيه الابتكار تغييراً جذرياً في الحياة والحكم. كانت مسيرتي مليئة بالانتصارات والانكسارات، والروابط المتينة والقناعات الراسخة، بل كانت أعظم مغامرة في حياتي.
أيها الشباب؛ أُقدّر كل كفاحٍ شاركناه معا، وكل أملٍ غرسناه في قلوب شعبنا المكلوم. السياسة تجلب الإرهاق والنكسات، ولكنها تجلب أيضًا العزيمة والشغف. لقد عرفتُ كليهما، ولن أتنازل عن مواقفي ومبادئ مهما كانت العواقب. عندما يُسألني أحدٌ عن سبب إيماني العميق بالصومال، يكون جوابي بسيطًا: لأني أؤمن بشبابها ومستقبلها الواعد. استمروا في التألق يا من عقدنا عليهم الآمال.
أيها الشباب، لقد علمنا التاريخ أن الروح الصومالية لا تنكسر وإرادتنا لا تقهر. لقد صقل الماضي بأتراحه وافراحه صمودنا أمام المدلهمات؛ وأعدّتنا نضالاتنا للتكيف مع أسوأ الظروف والعمل من أجل تجاوز الأزمات وتأسيس حياة تليق بنا وبأجيالنا القادمة. المستقبل بين أيديكم، وتذكروا: طائر الفينيق ينهض من الرماد. الصومال أيضًا سينهض من الصراعات العبثية أقوى وأكثر حكمة ووحدة.
هل ستكونون جزءًا من نهضة بلدكم؟