مقديشو برس
بقلم: عبد الرحمن معلم عبد الله هلوله، كاتب وباحث في السياسات العامة والشؤون الأمنية.
توطئة
تُعَدُّ وسائل التواصل الاجتماعي من بين أبرز الابتكارات التكنولوجية في العصر الحديث، إلا أنها تواجه تحديات كبيرة، خاصة في الدول العربية، بما في ذلك الصومال. وفقًا للتقديرات، يتأثر أكثر من مليوني شاب سنويًا بالأضرار الناجمة عن هذه الوسائل، مما يؤدي إلى ضياع الوقت وفقدان الأخلاق والقيم لدى بعض الأفراد. يقاس الشباب بنسبة 70% من المجتمع الصومالي، مما يعزز من أهمية دراسة تأثير وسائل التواصل الاجتماعي عليهم. استنادًا إلى هذا السياق، يهدف هذا المقال إلى استكشاف تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على الشباب الصومالي، بالإضافة إلى مناقشة كيفية تجاوز التحديات التي تواجهها، والدور الذي يمكن أن تلعبه الحكومة في التصدي لهذه التحديات.
تأثيرات وسائل التواصل الاجتماعي على الشباب الصومالي
تعتبر تأثيرات وسائل التواصل الاجتماعي على الشباب الصومالي مسألة هامة تستحق الاهتمام والبحث المستمر، لأنها أصبحت جزءًا لا يتجزأ من حياتهم اليومية. فقد تجاوزت كونها وسيلة للتواصل مع الأصدقاء والعائلة لتصبح أداة رئيسية للتعبير عن الآراء ونشر المعلومات. تؤثر منصات التواصل الاجتماعي بشكل كبير على سلوكيات الأفراد، حيث تتيح لهم فرصة التعبير عن آرائهم بحرية. ومع ذلك، يمكن أن تؤدي هذه الحرية إلى انتشار الكراهية والتشهير والتنمر الإلكتروني. يبدو أن استخدام هذه الوسائل يترك أثرًا عميقًا على الشباب، سواء من حيث الجوانب الاجتماعية، النفسية، الاقتصادية، الهوية الشخصية، أو حتى الأمنية والخصوصية.
الجوانب الاجتماعية
يُلاحظ ضعف الروابط الأسرية والاجتماعية لدى الشباب الصومالي نتيجة الانغماس المفرط في عالم وسائل التواصل الاجتماعي. يتراجع التواصل الحقيقي وجهًا لوجه مقابل التواصل الافتراضي، مما يؤثر على العلاقات الإنسانية الأساسية. كما أثرت وسائل التواصل الاجتماعي على أداء الشباب الصومالي في التعليم، حيث يؤدي الإدمان عليها إلى تشتيت الانتباه وتقليل الوقت المخصص للدراسة، مما يؤثر سلبًا على أدائهم الأكاديمي وفرصهم المستقبلية. بالإضافة إلى ذلك، أدت وسائل التواصل الاجتماعي إلى تأثير ثقافي على الشباب الصومالي، حيث تُتداول الثقافات والأفكار بشكل سريع وواسع، مما قد يؤدي إلى تغييرات في القيم والمعتقدات الاجتماعية التقليدية.
الجوانب النفسية والاقتصادية
تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على الجانب النفسي في الشباب الصومالي يمكن أن يكون مزدوجاً. من جهة، توفر وسائل التواصل الاجتماعي منصة للتعبير للأفراد الذين يعانون من العزلة الاجتماعية أو الانفصال الجغرافي. يمكن للأشخاص الذين يعيشون في المناطق النائية أو ذوي الظروف المالية الصعبة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي للتواصل مع العالم الخارجي وبناء شبكات داعمة. ومع ذلك، يمكن أن يؤدي الاعتماد المفرط على هذه الوسائل إلى عزلة اجتماعية إضافية أو زيادة في الضغط النفسي، خاصةً عندما يكون الانطباع الذي يظهر على وسائل التواصل الاجتماعي مختلفاً تماماً عن الواقع الفعلي.
من الناحية الاقتصادية، قد تؤدي بعض التطبيقات الاجتماعية إلى تشتيت الانتباه والتركيز عن الأنشطة الاقتصادية الفعالة، خاصة بين الشباب. على سبيل المثال، قد يقضي الأفراد ساعات طويلة على مواقع التواصل الاجتماعي بدلاً من الاستثمار في تطوير مهارات جديدة أو البحث عن فرص عمل.
على صعيد آخر، تلعب وسائل التواصل الاجتماعي دوراً هاماً في تمكين بعض الشباب الصوماليين اقتصادياً، خاصة الذين يمتلكون مواهب فنية أو مهارات حرفية. يمكن لهؤلاء الشباب الاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي لعرض منتجاتهم وخدماتهم، وبالتالي زيادة فرص العمل والدخل. وعلاوة على ذلك، يمكن أن تكون وسائل التواصل الاجتماعي منبراً للترويج للسياحة في الصومال، مما يعزز الاقتصاد المحلي ويساهم في تعزيز السياحة والتجارة.
التحديات الأمنية والهوية الشخصية
تمثل وسائل التواصل الاجتماعي تحديًا كبيرًا للأمن العام في الواقع الصومالي، حيث يمكن أن تُستغل في نشر المعلومات الزائفة والتحريض على العنف والكراهية. على سبيل المثال، يمكن للجماعات المتطرفة استخدام هذه الوسائل لتنظيم الأنشطة الإرهابية أو لترويج أفكار التطرف، مما يؤثر سلبًا على الأمن العام ويثير الهلع في المجتمع. بالإضافة إلى ذلك، قد تُستغل وسائل التواصل الاجتماعي في التجسس والاحتيال الإلكتروني، حيث يمكن للمتسللين استخدامها للوصول إلى معلومات حساسة أو لتنفيذ هجمات احتيالية عبر الإنترنت.
وقد تؤثر وسائل التواصل الاجتماعي ايضا على الهوية الشخصية للشباب، خاصة مع تعرضهم لمجتمعات عالمية أخرى ومعايير الجمال والنجاح التي قد لا تتوافق مع القيم الثقافية الصومالية التقليدية.
دور الحكومة في التصدي للظاهرة
على الرغم من جهود الشرطة في هذه الأيام للقبض على الأشخاص الذين ينشرون المحتوى المخل بالآداب أو يشعلون الفتنة مثل تأجيج الصراعات القبلية والانحلال الأخلاقي، إلا أن الحلول الجذرية تتطلب وضع قوانين واضحة وفعالة تنظم استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وتحد من سلوكيات الانحراف على الإنترنت.
يجب على الحكومة استعراض أهمية التصدي للتحديات الناجمة عن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بشكل غير مسؤول، والعمل عبر وزارات الشباب والأوقاف والأمن على توجيه الشباب نحو استخدام هذه الوسائل بطريقة تتماشى مع القيم الدينية والاجتماعية. تعمل الوزارات من خلال حملات التوعية الدينية والتنظيم المستمر للندوات وورش العمل على تعزيز الوعي بالمخاطر الدينية والاجتماعية للاستخدام السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي، مما يشجع على الاستخدام المسؤول لهذه الوسائل.
بالإضافة إلى ذلك، تعمل الحكومة على تعزيز التعاون مع الأجهزة الأمنية لتطبيق القوانين وتشديد الرقابة على المحتوى المخل بالقيم والآداب الدينية، وذلك بالاستفادة من التكنولوجيا لمراقبة السلوكيات السلبية على الإنترنت. كما تشجع الحكومة على الحوار البناء ونشر المحتوى الإيجابي لتعزيز التواصل الإيجابي بين الأفراد وتعزيز التسامح والتفاهم.
ومن أجل تقديم الدعم الروحي والمعنوي للشباب، تتعاون الحكومة مع المؤسسات الدينية في تنظيم الأنشطة والفعاليات التي تشجع على الاستفادة الإيجابية من وسائل التواصل الاجتماعي وتعزز الانتماء الديني والاجتماعي.
وزارة الشباب والرياضة
- توجيه الشباب نحو استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بطريقة مسؤولة تتماشى مع الإحترام للآخرين.
- تنظيم حملات توعية وورش عمل لتعريف الشباب بالمخاطر الاجتماعية والأخلاقية للاستخدام السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي.
- شجع الشباب على المشاركة في الأنشطة البناءة التي تعزز التواصل الإيجابي والانتماء الاجتماعي.
- إجراء دراسة حول دور وسائل التواصل الاجتماعي في تأجيج الصراعات القبلية والانحلال الأخلاقي، ومن ثم وضع حلول جذرية ومستدامة لهذه المشكلات.
وزارة الأوقاف والشؤون الدينية
- توجيه الشباب نحو استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بطريقة مسؤولة تتماشى مع القيم الدينية والاجتماعية.
- تنفيذ حملات توعية دينية لتعزيز الوعي بالمخاطر الدينية للاستخدام السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي.
- تنظيم ندوات وورش عمل دينية لشرح كيفية استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بما يتوافق مع القيم الدينية.
- التعاون مع المؤسسات الدينية لتقديم الدعم الروحي والمعنوي للشباب.
وزارة الأمن الداخلي
- تطبيق القوانين بصرامة وتشديد الرقابة على المحتوى المخل بالقيم والآداب الدينية على الإنترنت.
- الاستفادة من التكنولوجيا لمراقبة السلوكيات السلبية على الإنترنت.
- تعزيز التعاون مع الجهات المعنية لضمان متابعة ومحاسبة المخالفين.
من خلال التنسيق بين هذه الوزارات، يمكن للحكومة تعزيز استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بطريقة إيجابية ومسؤولة، مما يساهم في الحد من الظواهر السلبية المرتبطة بها.
في الختام، يتضح أن هناك حاجة ملحة للتدخل الفعّال من قبل الحكومات والمؤسسات الاجتماعية للحد من تأثيرات الظواهر السلبية المرتبطة بوسائل التواصل الاجتماعي. يمكن تحقيق ذلك من خلال وضع سياسات رقابية صارمة وزيادة الوعي بين الشباب حول استخدام التكنولوجيا بشكل صحيح ومفيد. بالإضافة إلى ذلك، يتعين تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للأفراد المتأثرين سلبًا بالوسائل الاجتماعية، وتطوير برامج توعية تعليمية موجهة للمدارس والجامعات لتعزيز الوعي بالمخاطر المحتملة وكيفية تجنبها. على الرغم من أن وسائل التواصل الاجتماعي تمثل سلاحًا ذو حدين، إلا أن التحدي الكبير يتمثل في تحقيق التوازن بين الاستفادة منها بشكل إيجابي وتجنب التأثيرات السلبية، وذلك لضمان مستقبل مشرق وآمن للأجيال القادمة.