مقديشو برس
في خطوة تعكس التغيرات المتسارعة في السياسة الخارجية الصومالية، استقبلت العاصمة مقديشو اليوم نائب وزير الخارجية الروسي والممثل الخاص للرئيس الروسي للشرق الأوسط وأفريقيا، ميخائيل بوغدانوف، في زيارة رسمية تهدف إلى تعزيز العلاقات الثنائية وفتح آفاق جديدة للتعاون الاستراتيجي بين البلدين.
وكان في استقبال الضيف الروسي نائب وزير الخارجية والتعاون الدولي الصومالي، إسحاق محمود مرسل، حيث جرت مراسم استقبال رسمية بمطار آدم عدي الدولي، تبعتها جلسات محادثات تناولت سبل تطوير الشراكة في مجالات الأمن، الاقتصاد، الطاقة، والتعليم.
وبحسب مصادر دبلوماسية، من المقرر أن يعقد بوغدانوف لقاءات مع قيادات عليا في الحكومة الصومالية لبحث مشاريع تعاون مشترك، في إطار سعي البلدين لإعادة إحياء العلاقات التاريخية التي تربطهما منذ أكثر من ستة عقود.
تأتي زيارة بوغدانوف في أعقاب إعلان موسكو مؤخرا عن شطب ديون الصومال، في مبادرة تعزز الدعم الروسي لمساعي مقديشو نحو التعافي الاقتصادي والتنمية الوطنية. وتُعد روسيا من أوائل الدول التي اعترفت باستقلال الصومال عام 1960، ولعبت دورًا رئيسيًا في دعم قدراته العسكرية والاقتصادية خلال فترة الحرب الباردة.
ويرى مراقبون أن الخطوة الروسية بشطب الديون تتجاوز الأبعاد المالية، وتحمل رسالة سياسية مفادها التزام موسكو بدعم استقرار الصومال، وتعزيز حضوره الإقليمي في واحدة من أكثر مناطق العالم حساسية جيوسياسية.
العلاقات الصومالية الروسية شهدت على مدار العقود تقلبات حادة؛ إذ توثقت خلال الستينيات والسبعينيات عندما كان الاتحاد السوفيتي الداعم الرئيسي لمقديشو، قبل أن تتراجع مع نهاية الحرب الباردة وسقوط الحكومة الصومالية عام 1991.
ومع تغير موازين القوى الإقليمية والدولية، عاد الطرفان إلى استكشاف فرص تعاون جديدة تقوم على المصالح المتبادلة وليس الاصطفافات الإيديولوجية.
الصومال من جانبه يسعى إلى تنويع علاقاته الدولية بعيدًا عن الارتهان لأي محور، منفتحًا على شراكات متعددة تعزز استقراره الداخلي وتدعم عملية بناء مؤسسات الدولة الحديثة.
القرن الإفريقي أصبح اليوم ساحة تنافس محموم بين القوى الكبرى؛ الولايات المتحدة، الصين، تركيا، روسيا ودول أوروبية، تسعى جميعها إلى تعزيز نفوذها عبر بوابة الأمن والموانئ والطاقة. وفي هذا السياق، يبدو أن الصومال بات يدير علاقاته الدولية بمرونة سياسية، مستندًا إلى أهمية موقعه الجغرافي على ضفاف أهم ممرات التجارة العالمية.
زيارة بوغدانوف لمقديشو تؤكد أن موسكو تراهن على بناء موطئ قدم راسخ لها في القرن الإفريقي، عبر شراكات تقوم على الدعم الاقتصادي والعسكري غير المشروط.
تشير المؤشرات الأولية إلى أن نتائج زيارة بوغدانوف قد تترجم قريبًا إلى اتفاقيات عملية في مجالات التدريب الأمني، وإعادة تأهيل البنى التحتية، والاستثمار في قطاع الطاقة. وفي ظل التحولات الإقليمية والدولية، يبدو أن الصومال مصمم على السير في خط دبلوماسي متزن، يقوم على تنويع الشراكات، وتعزيز مكانته كدولة محورية في شرق أفريقيا.
مقديشو اليوم ترسم خارطة تحالفات مدروسة، تستند إلى مبدأ تحقيق المصالح الوطنية بعيدًا عن التبعية، واضعة نصب عينيها هدفًا استراتيجيًا واضحًا: إعادة بناء الدولة الصومالية على أسس الاستقلال والسيادة والتنمية.