يعكس فشل انعقاد الجولة الثالثة من المفاوضات بين الصومال وإثيوبيا، في 17 من سبتمبر/أيلول الجاري، مدى تباعد المواقف والفجوات بين الجانبين، رغم محاولات الوساطة التركية والتي تعرف باسم “عملية أنقرة” والرامية إلى ردم الهوة بين البلدين المتنازعين.
وجاءت تصريحات وزير الخارجية التركي هاكان فيدان عن إجراء محادثات منفصلة بين هذين الجانبين لتكشف عن غياب عنصر المرونة لتحريك ملف المباحثات بين مقديشو وأديس أبابا إلى الأمام، سعيا لعقد مباحثات مباشرة بدلاً من نقل أنقرة معلومات لكلا الطرفين.
لكن تظل الأضرار التي ترتبت على هذين البلدين جراء هذه الأزمة السياسية واضحة رغم تباين آثارها، بحكم وجود حدود برية مشتركة تزيد على 1600 كيلومتر.
فما الأضرار التي يواجهها الصومال بسبب هذه الاتفاقية، وما مستوى ثقة الجانبين بالوساطة التركية وما بنودها ورهانات نجاحها؟ وكيف تأثرت الأطراف الخارجية بالمفاوضات؟
انطلاقا من شعورها بانتهاك سيادتها ودعم إقليم أرض الصومال (صومالي لاند) ذي النزعة الانفصالية، تصف الصومال جارتها الإثيوبية بالدولة المعتدية التي لا تحترم القوانين الدولية ولاتزال ترفض الامتثال بها، بحسب النائب الأسبق والمحلل السياسي محمد الأمين حسن.
وأضاف المحلل السياسي للجزيرة نت أن الصومال أوضحت موقفها منذ تفجر الأزمة مطلع يناير/كانون الثاني الماضي حيث أكد الرئيس حسن شيخ محمود أن الحل الوحيد لاحتواء الأزمة السياسية مع إثيوبيا يكون بتخليها عن مذكرة التفاهم مع إقليم أرض الصومال، وأن بلاده لا ترفض وصول إثيوبيا إلى منفذ بحري بالطرق الشرعية والخضوع للقوانين الدولية.
أما من المنظور الإثيوبي، فيقول المحلل السياسي الإثيوبي عبد الشكور عبد الصمد للجزيرة نت إن المبدأ الاساسي وعقيدة إثيوبيا في سياساتها الخارجية وخاصة مع دول الجوار هي تصفير المشاكل، وبناء علاقة شراكة وتعاون إقليمي متكامل، وأنها تحابي جيرانها على مصالحها بالقدر المستطاع، ولذا فإن إثيوبيا ترى أنه ليس لديها مشاكل مع الصومال بل إن المشكلة هي ما بين الصومال وإقليم أرض الصومال.
وأكد عبد الصمد أن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد تحدث عن المصالحة بين الصومال والإقليم، معتبرا أن وحدة الصومال واستقرارها مصلحة إثيوبية بالدرجة الأولى، لأنه كلما بقي الصومال دولة مستقرة وقوية فإن إثيوبيا تستطيع التعاون معه لحل أزمات المنطقة.
إلى أي مدى يثق الجانبان بالوساطة التركية؟
يعكس قبول تركيا لطلب إثيوبيا الوساطة بينها وبين الصومال حول الأزمة الحالية مدى تمتع أنقرة بعلاقات وثيقة مع الجانبين، فإثيوبيا تحتل صدارة الاستثمارات التركية بمنطقة القرن الأفريقي، بينما تشكل الصومال منطلق النفوذ التركي في القارة الأفريقية، بوجود أكبر سفارة تركية في الخارج وأول قاعدة عسكرية لها بأفريقيا، وهو ما يعطيها فرصة للتقريب بين الجانبين أكثر من أي دولة أخرى.
ما بنود الوساطة التركية؟ وما رهانات نجاحها؟
تعتمد الوساطة التركية في المفاوضات بين الصومال وإثيوبيا على عدة بنود، بحسب النائب والعضو باللجنة الخارجية في البرلمان الصومالي محمد آدم، أبرزها:
- وقف التصعيد بين الصومال وإثيوبيا لتهيئة أرضية مشتركة للتفاوض.
- التزام الجانبين بالحل الدبلوماسي لإنهاء الأزمة.
- إزالة المخاوف الصومالية المتعلقة بسيادته ووحدة أراضيه.
- سماح الصومال لإثيوبيا بالوصول إلى منفذ بحري بموجب حقها.
- وصول إثيوبيا إلى منفذ بحري بشكل رسمي لكن ليس عبر إقليم أرض الصومال.
أما فيما يخص رهانات نجاح الوساطة وفق المنظور الصومالي، فيؤكد النائب بالبرلمان محمد آدم للجزيرة نت أنهم يراهنون على نجاح الوساطة التركية لإنهاء الأزمة، باعتبار أنه (الصومال) ليس هو الطرف المعتدي، ورغم هذا لايزال متمسكا بالحل الدبلوماسي وضمان استقرار المنطقة التي لا تحتمل مزيدا من التوتر في الوقت الراهن.
بينما يرى المحلل الإثيوبي عبد الشكور أن رهانات بلاده في نجاح هذه الوساطة كبيرة، بحكم الثقة التي تحظى بها تركيا من أطراف النزاع الدبلوماسي.
يرجع بعض المتابعين الصوماليين سبب إخفاق الجولتين الماضيتين بالمفاوضات إلى تدخل بعض الأطراف الخارجية في خط الأزمة، بهدف إجهاض المفاوضات لتحقيق مصالحها الخاصة بالمنطقة، من خلال التأثير بمواقف الطرفين.
وقال المحلل السياسي محمد الأمين إنه من الطبيعي أن تصعّد بعض الأطراف الخارجية في المفاوضات بين الصومال وإثيوبيا، بحكم الموقع الإستراتيجي بين البلدين، إلى جانب كثرة الدول المتنافسة لتنفيذ مصالحها عبر تشكيل تحالفات وأخرى مضادة بالمنطقة، ولهذا فمن المستحيل أن تكون هذه المفاوضات بمأمن من التدخلات الخارجية وإن تباينت حدتها من حين لآخر.
وأضاف أن إظهار مؤشرات إيجابية من كلا الطرفين لا يكفي للتوصل إلى حل الأزمة، بل ستراوح مكانها ما لم تتدخل أطراف دولية فعّالة لحث الطرفين على تقديم التنازلات، أو توظيف تركيا أدواتها الدبلوماسية وابتكار حلول مقنعة لنزع فتيل الأزمة بين البلدين.
كيف تأثرت الصومال باتفاقية إثيوبيا وأرض الصومال؟
يرى محمد الأمين أنه من الطبيعي أن يسبب الاتفاق بين إثيوبيا وإقليم أرض الصومال أضرارًا على الصومال على مستويات مختلفة. فمن الناحية السيادية، أظهرت المذكرة الموقعة مطلع يناير/كانون الثاني الماضي مدى عدم فاعلية الصومال في حماية وحدة أراضيه، مما قد يفتح الطريق لبروز أقاليم أخرى ذات نزعة انفصالية بحكم النظام الفدرالي القائم في البلاد.
أما من الناحية الأمنية، فقد يؤدي توقيع الاتفاقية إلى فك التعاون الأمني بين الصومال وإثيوبيا لمكافحة الإرهاب، وهو ما قد يغذي الجماعات الإرهابية لزيادة نشاطها ضد البلدين، وزيادة تهريب الأسلحة غير المرخصة القادمة إلى الأراضي الصومالية من الأراضي الإثيوبية، وهو ما قد يقلق الحكومة الصومالية.
ومن الناحية الاقتصادية، فإن نجاح المذكرة بين إثيوبيا وأرض الصومال سيقلل من استقلال الصومال وسيادته على موانئه وسواحله بما يفقده بعض الميزات الاقتصادية، مقابل أنها ستعزز النفوذ الاقتصادي للإقليم الانفصالي وستساهم في تحقيق مساعيه للانفصال عن الصومال.