مقديشو برس/ الكاتب والصحفي / أحمد محمد أحمد
توشك الساحة الصومالية أن تشهد فصلاً جديداً من التنافس الإقليمي، مع اقتراب دخول القوات المصرية إلى البلاد للمشاركة في بعثة دعم واستقرار الاتحاد الإفريقي في الصومال (AUSSSOM)، في وقت تتواجد فيه بالفعل قوات إثيوبية ضمن نفس البعثة، لتلتقي القوتان المتنافستان وجهاً لوجه في مسرحٍ بالغ الحساسية.
التحرك المصري يأتي في إطار رؤية جديدة للسياسة الخارجية للقاهرة تجاه القرن الإفريقي، تقوم على مبدأ “الحضور الميداني” بعد سنوات من الاكتفاء بالدور الدبلوماسي. فمشاركة نحو 1100 جندي مصري في بعثة AUSSSOM تمثل نقلة نوعية في نهج مصر حيال القارة السمراء، خصوصاً في منطقة لطالما اعتبرتها امتداداً لأمنها القومي.
ويرى مراقبون أن هذه الخطوة تحمل رسائل استراتيجية متعددة، أبرزها أن القاهرة لم تعد تكتفي بمتابعة تحركات أديس أبابا من بعيد، بل تسعى لأن تكون لاعباً مؤثراً على الأرض، مستفيدة من الانفتاح السياسي والأمني الذي تشهده مقديشو منذ تولي حكومة الرئيس حسن شيخ محمود الثانية.
تزامن هذا التطور مع تصاعد حدة الخلافات بين مصر وإثيوبيا حول سد النهضة، بعد افتتاحه رسمياً في سبتمبر/أيلول الماضي. بالنسبة لمصر، فإن المشروع يمثل تهديداً وجودياً لأمنها المائي، بينما تصر إثيوبيا على حقها في التنمية والسيادة على مواردها الطبيعية.
لكن اللافت أن الخلاف بين البلدين بدأ يتجاوز حدود النيل، ليمتد إلى الفضاء الجيوسياسي للقرن الإفريقي، حيث ترى القاهرة أن الوجود العسكري في الصومال يتيح لها هامشاً أكبر من المناورة والردع، في منطقة تحظى باهتمام دولي متزايد من قِبل القوى الإقليمية والدولية.
الخطوة المصرية قوبلت بتحفظ إثيوبي واضح، إذ قال السفير الإثيوبي في مقديشو، سليمان ديديفو، إن بلاده “غير مرتاحة” لدخول القوات المصرية الأراضي الصومالية. ويعكس هذا الموقف خشية أديس أبابا من أن يتحول الوجود المصري إلى ورقة ضغط غير مباشرة في معادلة الصراع حول مياه النيل.
في المقابل، تحاول الحكومة الصومالية الموازنة بين الطرفين، مؤكدة أن مشاركة القاهرة تأتي في إطار بعثة الاتحاد الإفريقي وليس كتحالف ثنائي، إلا أن واقع السياسة الميدانية قد يجعل من الصعب الفصل بين المهام الرسمية والتجاذبات الإقليمية.
وقام وفد من ضباط الجيش المصري بزيارة استطلاعية إلى الصومال في سبتمبر الماضي، هدفت إلى تقييم الأوضاع الأمنية والعسكرية ميدانياً تمهيداً لانضمام مرتقب للقوات المصرية إلى بعثة الاتحاد الإفريقي لدعم واستقرار الصومال (AUSSOM).
وخلال الزيارة التي استمرت أسبوعاً، قام الوفد بجولات استطلاعية في مدن ومواقع استراتيجية، بينها جوهر وبلعد ومهدي وبورني، إضافة إلى قاعدة بلّيدوغلي الجوية التي يُتوقع أن تكون مركز انتشار للقوات المصرية ضمن البعثة.
أشاد وزير الدفاع الصومالي، أحمد معلم فقي بدور مصر في دعم الصومال، مؤكداً أن مشاركتها في بعثة الاتحاد الإفريقي لدعم واستقرار الصومال ستُعزّز الجهود الرامية إلى مكافحة الإرهاب وترسيخ الأمن والاستقرار في البلاد والمنطقة.
تطرح مشاركة كلٍّ من مصر وإثيوبيا في بعثة واحدة أسئلة معقدة حول مستقبل التنسيق العسكري داخل AUSSSOM، خاصة في ظل غياب الثقة بين الجانبين. فبينما تركز البعثة على دعم جهود الأمن والاستقرار في الصومال، يخشى مراقبون أن تتحول البلاد إلى ساحة تنافس استخباراتي ناعم بين القوتين.
وفي حال تمكنت القاهرة من ترسيخ وجودها الميداني دون صدام مباشر مع أديس أبابا، فقد يشكل ذلك نقطة تحول في موازين النفوذ الإقليمي، ليس فقط في الصومال، بل في مجمل منطقة القرن الإفريقي.
في النهاية، يبدو أن بعثة AUSSSOM قد أصبحت مرآة تعكس موازين القوى المتغيرة في إفريقيا، حيث تتداخل المصالح الأمنية مع الحسابات السياسية والمائية. وبينما يُفترض أن تكون البعثة أداة لدعم استقرار الصومال، فإن وجود خصمين تقليديين مثل مصر وإثيوبيا يجعل من المشهد أكثر تعقيداً وتشابكاً من أي وقت مضى.











