بروكسل / مقديشو برس
غيّب الموت في العاصمة البلجيكية بروكسل، أحد أعمدة الدولة الصومالية الحديثة، اللواء أحمد سليمان عبد الله المعروف ب ” دفلي” أول قائد لجهاز الأمن والاستخبارات الوطنية، عن عمر ناهز 88 عامًا، تاركًا خلفه إرثًا أمنيًا وسياسيًا لا يُنسى.
دفلي، المولود في مدينة برعو بإقليم توغطير عام 1937، انطلقت مسيرته من بيئة شعبية بسيطة، إلى أن صار رجلًا من رجالات الدولة، وصانعًا رئيسيًا لمؤسساتها الأمنية. ابتُعث عام 1959 إلى أكاديمية القوات البريطانية حيث تلقى تدريبًا عسكريًا لثلاث سنوات، عاد بعدها إلى البلاد ضابطًا برتبة ملازم، وتولى مهامًا تدريبيّة في مدرسة الضباط بمقديشو.
في عام 1967، تقلّد قيادة وحدة عسكرية في مدينة زيلع، ثم تولى رئاسة مكتب الاستخبارات بالجيش الوطني، في وقت كان فيه الرئيس الراحل محمد سياد بري قائداً للجيش، وصار لاحقًا صهره بعد زواجه من ابنته.
لمع نجمه السياسي مع مشاركته في انقلاب 1969 الذي أطاح بالحكم المدني، ليتم تعيينه عام 1971 كأول قائد لجهاز الأمن القومي. تولى بناء هذا الجهاز من الصفر، وساهم في تطوير قدراته حتى صار أحد أقوى أجهزة الاستخبارات في إفريقيا، في فترة شهدت فيها الصومال نفوذًا إقليميًا واسعًا.
نال ترقيات متتالية، حتى أصبح برتبة اللواء عام 1976، كما شغل عضوية المجلس الأعلى للثورة (عهد النظام العسكري) منذ عام 1974، وكان مسؤولًا عن ملف الأمن القومي، أحد أبرز ملفات النظام العسكري.
لكن هذه المسيرة لم تخلُ من الجدل، فقد وُجّهت إليه انتقادات واتهامات بالتورط في انتهاكات ارتكبها الجهاز خلال تلك الحقبة، إضافة إلى مسؤوليته السياسية والأمنية المباشرة عن ملفات حساسة.
بعد سقوط النظام عام 1991، غادر البلاد ليعيش في المنفى، إلى أن وافته المنية مساء الخميس في العاصمة البلجيكية بروكسل، حيث عاش سنواته الأخيرة.
رسائل تعزية ووفاء من رجالات الدولة
وقد تدفقت التعازي من مسؤولين سابقين وقيادات بارزة في الدولة. مدير جهاز الاستخبارات السابق فهد ياسين حاج طاهر كتب في تأبينه:
“كان السياسي الأكثر تأثيرًا في إفريقيا، وأسهم بشكل مباشر في تحرر أكثر من عشرة دول من الاستعمار. في عهده، وصل جهاز الاستخبارات إلى مرحلة كان يعرف فيها تفاصيل الحياة الخاصة لرئيس إثيوبيا منغستو هايلي مريام. حتى في حرب 1977، كانت المعلومات الاستخباراتية التي يجمعها جهازه هي أساس النصر في المعارك.”
فهد أشار أيضًا إلى أنه حين تولى قيادة جهاز NISA، أطلق اسم دفلي على المسجد الكبير داخل المقر الرسمي للجهاز، تكريمًا لتاريخه المؤسسي.
الرئيس الصومالي السابق محمد عبد الله فرماجو وصفه في نعيه بأنه:
“من بناة الدولة، قاد وزارات عديدة، وكان ركيزة مهمة في مسيرة النظام الثوري، وترك بصمة لا تُنسى في تاريخ الدولة الصومالية.”
أما الرئيس الأسبق شيخ شريف شيخ أحمد فقال:
“الجنرال دفلي كان رمزًا في العمل الاستخباراتي، وساهم في إعادة بناء أجهزة الأمن في أصعب الظروف.”
تعزية رسمية من جهاز الاستخبارات (NISA)
جهاز الأمن والاستخبارات الوطنية (NISA) أصدر بيانًا رسميًا، نقل فيه مديره العام عبد الله محمد علي (سنبلولشي) تعازيه الحارة إلى عائلة الفقيد والشعب الصومالي، مشيرًا إلى أن الراحل “خدم بلاده بإخلاص وترك إرثًا أمنيًا سيظل خالدًا في ذاكرة الدولة.”
وجاء في البيان:
” دفلي هو من وضع اللبنات الأولى لجهاز الأمن القومي منذ عام 1971، وأسس منظومة ما تزال تؤدي دورها حتى اليوم. ندعو الله أن يتغمده برحمته الواسعة، وأن يلهم أهله وشعبنا الصبر والسلوان.”
رحل اللواء أحمد سليمان عبد الله ، رجل الدولة، والعقل الأمني، ومهندس الجهاز الذي ظل لعقود يُمسك بمفاتيح الأمن في واحدة من أعقد الفترات السياسية التي مرت بها الصومال.
ترك وراءه خمسة أبناء، وتاريخًا حافلًا بالجدل والمجد، بالإنجازات والانتقادات، لكنه سيظل حاضرًا في سجل الدولة، كأول من أعطى للظل الصومالي ملامح مؤسساتية.