مقديشو برس/ بقلم الصحفي أحمد محمد أحمد
في خطوة تاريخية، اعترفت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) رسميًا بـ”قانون العيسى” المعروف محليا بـ (Xeer Ciise) الذي يُعد أحد أبرز القوانين العرفية في منطقة القرن الإفريقي. ويمثل هذا الاعتراف شهادة على قيمة القانون في توحيد المجتمعات، وتعزيز العدالة، وحماية الثقافة المحلية. أدرج هذا القانون ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي للبشرية، بناءً على دوره المحوري في دعم القيم الإنسانية المشتركة في جيبوتي وإثيوبيا والصومال.
وبحسب اليونسكو، يشملُ التراث الثقافي غير المادي الممارسات والمعارف وأشكال التعبير التي تُقرّ المجتمعات المحلية بمكانتها المحورية في بنية هويتها الثقافية، جنباً إلى جنب مع كل ما يرتبط بها من عناصر وأماكن. تتناقل الأجيال هذا التراث الذي يتكيّف مع مرور الزمن، وهو ما يعزز الهوية ويكرّس احترام التنوع الثقافي. وتؤكد اتفاقية اليونسكو لصون التراث الثقافي غير المادي لعام 2003 أهمية حماية أشكال التعبير الثقافي وصونه لأجيال الغد.
قانون العيسى وتاريخه
يرجع تاريخ قانون العيسى إلى نحو 500 عام، حيث تم وضعه في القرن السادس عشر على يد مئة شيخ مختار من أبناء قبيلة العيسى. جرت صياغة القانون في قرية “واروف” القريبة من مدينة “Diridhaba ” بين جيبوتي وإثيوبيا. وقد أطلق عليه واضعوه اسم “Daryeel iyo Dabar “، وهو مصطلح يشير إلى الرعاية وحماية الضعفاء من جهة، وإيقاف المعتدين وردع الظالمين من جهة أخرى.
القانون العرفي الذي تم وضعه حينذاك جاء ليؤسس لنظام شامل ينظم حياة القبيلة، ويحافظ على تماسكها، ويحد من النزاعات الداخلية والخارجية. ما يميزه هو استمراره كمنظومة حية وفعالة حتى يومنا هذا، حيث يلتزم به أبناء القبيلة أينما كانوا حول العالم.
أهمية الاعتراف الدولي
اعتماد اليونسكو لهذا القانون يعكس تقدير المجتمع الدولي لنظام العيسى العرفي، خاصةً لما يحمله من قيم تتماشى مع المبادئ العالمية، مثل تعزيز حقوق المرأة والطفل، وحماية البيئة، وحل النزاعات بالطرق السلمية. ووصفت المنظمة هذا القانون بأنه نموذج فريد للقوانين العرفية الحية التي تجمع بين التراث الثقافي والحلول العملية للتحديات المعاصرة.
آليات تطبيق القانون
يتضمن قانون العيسى نظامًا يُعرف بـ”غندا “، وهو بمثابة برلمان مصغر يتألف من 44 شيخًا، يتمتعون بصلاحيات واسعة لحل النزاعات واتخاذ القرارات. وفي القضايا الكبرى أو الأزمات المعقدة، يجتمع مئة شيخ آخر تحت قيادة الملك (الزعيم القبلي) لمناقشة الحلول.
أحد أبرز ميزات هذا القانون هو طريقة اختيار الزعيم، المعروف محليا بـ ” أوغاس” التي تختلف جذريًا عن الأنظمة الوراثية الشائعة بين القبائل الصومالية، حيث يتم انتخاب الزعيم من قبل مجلس مكون من مئة شيخ، مع مراعاة معايير دقيقة تشمل نسبه من ناحية الأم والأب وسلوكه الشخصي. وقد تم اعتماد هذا النظام نتيجة لتجارب تاريخية أثبتت ضرورة تجنب النزاعات الناتجة عن التوريث.
جدير بالذكر، أن أوغاس مصطفى محمد إبراهيم أوغاس وعيس، هو زعيم قبيلة عيسى حاليا.
دور المرأة في القانون
رغم أن المجتمعات القبلية غالبًا ما يُنظر إليها على أنها ذكورية، إلا أن قانون العيسى يعكس دورًا محوريًا للمرأة في صياغته وتطبيقه. ووفقًا لما نقلته هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) من القسم الصومالي عن إبراهيم أحمد علي، فقد كان هناك حضور نسائي بارز أثناء صياغة القانون في القرن السادس عشر، حيث شاركت امرأة تُدعى “فاطمة سيتي” في المناقشات المتعلقة بشؤون الأسرة والمرأة. وتخليدًا لذكراها، تم تسمية الجبل الذي اجتمع فيه الشيوخ باسمها، وهو اليوم مدينة تابعة لإقليم الصومالي بإثيوبيا.
لا يقتصر قانون العيسى على كونه مجموعة من القواعد، بل يمثل فلسفة أخلاقية واجتماعية تعكس رؤية جماعية للعدالة والسلام. في عالم يواجه تحديات مثل النزاعات البيئية والاجتماعية، يقدم القانون نموذجًا محليًا لحوكمة عادلة ومستدامة.
ويمثل اعتراف اليونسكو بقانون العيسى خطوة نحو الحفاظ على التراث الثقافي غير المادي وتعزيز دوره في بناء المجتمعات. إنه ليس فقط قانونًا عرفيًا، بل إرث إنساني يُجسد التعايش والتعاون في منطقة تعد من أكثر مناطق العالم تنوعًا وتعقيدًا.
المصادر:
https://www.bbc.com/somali/articles/cx2vyekrz3eo
https://www.hiiraan.com/news/2024/Dec/wararka_maanta6-188607.htm?utm_source=hiiraan&utm_medium=WararkaMaanta
https://x.com/LiveDjib/status/1865102553773408349
https://www.unesco.org/ar