مقديشو برس/ بقلم محمود علي آدم هوري
لقد أصبح الإعـلام في العصر الحديث من أكثر الأجهزة والوسائل قدرة على التأثير في ثقافة الأفراد، وفي سلوكهم ، إذ لم يعد الفرد في هذا العصر أسير بيئة اجتماعية محدودة تتمثل في الأسرة والمدرسة والمجتمع المحلي، كما كان سابقا، بل أصبح يعيش في خضم متصارع تتدفق من خلاله العديدمن التيارات الفكريةوالإجتماعية والإقتصادية التي تختلف في أهدافها وقيمها واتجاتها، التي أصبحت في متناول الجميع من خلال ما تبثه وسائل الإعـلام ووسائل الإتصال المختلفة ، والتي تؤثر في سلوك الفرد وتوجهاته .
يلعب الإعلام دورا مهما في توجيه الأفكار وتوعية الجمهور المستهدف، فهو بطبيعة الحال سيف ذو حدّين، سلبا وايجابا، نعم، فدنيانا – اليوم- أصبح الإعلام من أهم الأسلحة التي تستخذمها الدول المؤثرة للهيمنة على الوعيّ العام للعالم فهو يحتاج للإحتراف والتبحر فيه، أما في الصومال فالأمر مختلف فأصبح أسهل عمل يمتهن فيه كل من هبّ ودبّ دون مراعاة لأدنى لوائحه المرموسة .
ومن هذا المنطلق، لخلق الأمن الفكري ونبذ الكراهية فلا بد للحكومة الصومالية شرعنة المهنة الإعلامية وفرض الضوابط والشروط اللازمة على كل من يريد الالتحاق بها، كالمهن الأخرى مثل الطب ،فلا يمكن أن يدعيّ كل شخص أن يداوي الإنسان دون تخصص وأخذ سنوات من الدّراسة والتعلم. وعلى هذا الأساس ندرك أن العلم والمعرفة بأسرار الصحافة وأخلاقياتها وماهيّتها السبيل الوحيد للخلق الأمن الفكريّ ونبذ الكراهية بين الأمم والشعوب عموما، وفي الصومال خصوصا.
ومن أبرز المحاور التي ترتكز المهنية الإعلامية لا سيما في هذا العصر الحديث الذي كثر فيه ماكثر، وروج فيه ما روج، وقيل ماقيل، مايالي:
الأمن اللغوي: فالأمن اللغوي عنصر أساسي وجوهر مهمّ. وقد أصبح الأمن اللغوي والأمني التعليمي في هذا العصر شأنا إساتراتجيا مهمّا يمس جوهر أمن الأمن والوطن، لأن اللغة وطن الأمة الروحي، وخزانة تراثها الفكر، ووعاء ثقافتها وآدابها وعلومها، وحاملة هويتها وشائرها في الماضي والحاضر والمستقبل.
وأهم خطوات تحقيق الأمن اللغوي للغتنا الصومالية التنبه إلى التحدّيات التي تواجها في هذه الأيـــام الأخيرة ومحاولة التغلّب عليها أو الحد من تأثيرها على لغة أبنائها في الحاضر والمستقبل.
1. مزاحمة اللغات الأخرى في سوق العمل (العربية، التركية، والانجليزية، والسواحلية) وفي كل مجالات الحياة.
2. مزاحمة العامية الصومالية أو اللهجات (Af-guri) لها دور وأثر في التعليم والإعلام.
3. شيوع اللّحن والأغلاط الصحفية والأدبية على ألسنة المثقفين والأكاديميين وأصحاب المقاليد السياسية والمناصب العليا في الوطن بشكل عام.
4. التأثر بثورة الإتصالات الرقمية (الحداث والعولمة) التي أحدثت تغيرا واضحا في حياة الأسرة وفي لغتهم (أسلوبا، تحدثا، كتابة، تعبيرا، وتفسيرا ).
5. بعض القرارات البلدية والأوامر الحكومية أو الخطابات الرسمية في البلاد بصورة عامة تعتمد اللغات الأجنبية مثل: (اللغة الإنجليزية) ولا يستخذم باللغة الصومالية.
6. معطم لوحات شركات التجارية الصومالية والتسوق في الأسواق العامة معتمدة بكتابة اللغات الأجنبية مثل: (الإنجليزية و أخرى باللغة العربية).
7. الإنذارات الأمنية والصحية وحتى الإعلانات السفرية للرحلات المحلية داخل أقاليم البلاد مكتوبة ومسجلّة باللغات الأجنبية مثل: (الإنجليزية والسواحلية). لهذا كثرت الأحداث الأمنية من خلال الرحلة بسبب سوء الفهم الناتج عن اللغة الأجنبية التي لا يفهمها المسافر.
8. وكذلك تذاكر الطيران المحلية في الصومال مكتوبة باللغة الإنجليزية، وهذا عبء ثقيل على المواطن الذي لا يفهم مواعيد الرحلات، والتفاصيل المتعلقة بالطيران.
9. أكثرية التقارير الصحية من المشافي الحكومية والقطاع الخاص معتمدة باللغات الأجنبية مثل (الإنجليزية والتركية).
10. ومن المفاهيم الخاطئة التي تهدد الأمن اللغوي في الصومال استخدام المسؤوليين في الجهات الرسمية لغات أو مفردات أجنبية عند الخطابات أو المؤتمرات الصحفية. وهذه تمثل سابقة خطيرة لحماية اللغة من التهديدات الأمنية التي من أهمّها : الاندثار والنسيان، وتهميش دورها لدى الدوائر الرسمية والشعبية.
فعلى الحكومة الصومالية بشتى دوائرها ومؤسساتها المهتمة بالثقافة والهوية وفي مقدّمتها وزارة التربية والثقافة والتعليم العالي، ووزراة الإعلام والثقافة والسياحة الصومالية، والأكاديمية الصومالية للعلوم، والثقافة والآداب، والأكاديمية اللإقليمية للغة الصومالية مايـــلي:-
1. المبادرة إلى دارسة عن أسباب التخلف والاندثار بدور اللغة الصومالية مع عدم ازدهار الفن الصومالي بعد رحيل الرعيل الأول. فاللغة تتعرض- اليوم – بعدة من المخاطر والتهديدات منها، غياب الوعيّ الثقافي، وغياب دور المؤسسات المعنية، والتدني الأدبي والثقافي لدى المجتمع الصومالي بصورة اجمالية.
2. اعادة وتفعيل دور المتحف الوطني، والمكتبة الوطنية الصومالية، وكذك دور كلية اللغات للجامعة الوطنية الصومالية. حمايةً بلغة الأم من الضياع والإنقراض والتخلّف أو الإنتحار وعدم الإنسلاخ من الهوية الصومالية. لهذا، فالإعتــزار باللغة الصومالية وآدابها بشكل خاص فكر آمن، لأن حماية اللغة تعتبر من مقومات الأمن القومي (الفكري).
3. تعزيز دور الأكاديمية الصومالية للعلوم والثقافة والآداب، تجاه المطربين والفناين والمؤلفين والكتاب، والمسرحيين، والشعراء والأدباء الجدد كبديل الأفضل.
4. الإهتمام والعناية -السخية- بالجانب التراثي والأدب الصومالي فناً وتدريساً لجميع المراحل التعليمية في جمهـورية الفيدرالية الصومالية.
5. الإعادة المعنوية لدور المسرح القومي (الوطني) كما كان في السابق (الثورة العسكرية) مع مراجعة السياسة الفنية، من حيث التخطيط، والتنفيذ، والمراقبة، من منظور أمني فكري.
الأمن الثقافي: يتفق أغلب من عرّفوا الثقافة من مفكّرين وفلاسفة ومؤرخين وياحثين على أن اللغة والفن والأدب هي العنصر الرئيسية للثقافة، وأن الثقافة هي مجموعة النشاط الفكري والفنّي، وما يتصل بهما من مهارات أو يعين عليها من وسائل. أما التراث فهو يحمل عناصر الأصالة. وعلى الإعلام الصومالي إظهار الوجه المشرق للفنّ الصومالي، وإحياء التراث، والتقاليدالكلاسيكية، والقصص الفلكلورية، والعادات الحسنة، والحرف اليدوية ، والزي الصومالي القديم، والمطاهر الفنية المتوارثة لدى الشعب الصومالي بأسره.
فاللغة عمدة الفكر، فلا تفكير دون لغة، واللغة لها حمولة فكرية مرجعية: فتارة مرآة موجهّة مكمّلة، وتارة ناقمة غاضبة ثائرة، واللّغة ليست بريئة من التأثير والتأثر بل تقود عمليات التفكير، كما تعمل على غسل الدماغ، وتطعيمه بما تختاره، فاللّغة ثقافة لها امتداد وتعيش نمواً لغوياً تستهلك أساليب، وتولد أساليب.
نعم، فمقولة الأمن الثقافي لا تعني زيادة وتيرة الرقابة على الثقافة بكل آلياتها ومناشطها ووسائلها، ولا تعني الخضوع إلى مقتضيات السائد وغياب حالات الإبداع والمبادرة، وإنما تعني ضرورة الانطلاق من رؤية ثقافية – حضارية في التعاطي والتواصل مع كل شؤون وقضايا الثقافة الإنسانية. هكذا يتضح لنا ما يشكله الأمن الثقافي من مواجهة الانحرافات الفكرية لدى المواطنين وما يحققه من أمن واستقرار والاعتزاز بالذات الثقافية الحضارية في مواجهة الغزو الفكري الأجنبي.