مقديشو برس
عُقد مؤتمر علماء الصومال الثالث في الفترة من 24 إلى 27 نوفمبر 2025، بتنظيم من وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية وبدعم من رئيس الجمهورية، بمشاركة علماء ودعاة وأكاديميين من داخل الصومال وخارجها. وقد جاء المؤتمر في وقت حساس يمر به المجتمع الصومالي، حيث تتنامى التحديات المرتبطة بالنزاعات القبلية، التطرف، وضعف المؤسسات الحكومية. ركز المؤتمر على ثلاثة محاور رئيسية: الوحدة الوطنية، مواجهة التطرف، ودعم الحوكمة.
الوحدة الوطنية والتماسك الاجتماعي
شكلت مسألة تعزيز الوحدة الوطنية محورًا رئيسيًا للخطاب العلمي في المؤتمر. وأكد العلماء أن قيم الشريعة الإسلامية الوسطية يجب أن تكون المرجعية الأساسية في تنظيم حياة المجتمع، لتجنب الانقسامات الفكرية والسلوكية التي تؤدي إلى الفوضى والصراعات. ودعوا الشعب الصومالي إلى التوحد لمواجهة النزاعات القبلية، التطرف، والتدخلات الخارجية، مؤكدين أهمية دور العقلاء وزعماء المجتمع المدني والأكاديميين في المصالحة وحل النزاعات. كما أعرب المؤتمر عن إداناته للأعمال العنيفة ضد النساء والأطفال والجرائم التي تتجاوز القيم الدينية والأخلاقية، داعيًا الدولة والمجتمع لوضع آليات لمنع تكرار هذه الانتهاكات.
مواجهة الجماعات المتطرفة
شكلت مواجهة الجماعات المتطرفة، بما في ذلك الشباب وداعش والجماعات المشابهة، محورًا آخر في المؤتمر. فقد حذر العلماء من أن هذه الجماعات تمثل تهديدًا مباشرًا لوحدة البلاد وسلامتها. ودعوا المجتمع الصومالي إلى عدم دعم هذه الجماعات بأي شكل من الأشكال، سواء ماليًا أو فكريًا أو عسكريًا، مؤكدين أن التعاون مع الدولة في مواجهة هذه التنظيمات واجب ديني ووطنياً. كما وجه العلماء رسالة مباشرة للمتطرفين بضرورة التوبة ووقف العنف وترك استهداف المدنيين، وهو ما يعكس بُعدًا شرعيًا وإنسانيًا في خطابهم.
دعم الحوكمة وبناء الدولة
ركز المؤتمر أيضًا على أهمية بناء الدولة وتعزيز مؤسساتها، من خلال مكافحة الفساد، تحسين الأداء الحكومي، وتطوير الاقتصاد وخلق فرص عمل للشباب، باعتبار ذلك أساسًا لتعزيز الاستقرار الاجتماعي والسياسي. كما أكد العلماء دعمهم لجهود وزارة الأوقاف في تطوير سجل الزكاة ونظام الأوقاف، مؤكدين ضرورة أن يقر البرلمان قوانين تعزز دور العلماء والمؤسسات الدينية في الحياة الوطنية. وأبرز المؤتمر أن على السياسيين وضع المصلحة العامة فوق أي مصالح فردية أو حزبية، وحل الخلافات بالحوار لمنع استغلالها من قبل الأعداء.
البعد الدولي والإنساني
لم يقتصر خطاب المؤتمر على الداخل فحسب، بل تناول البعد الدولي والإنساني، حيث أشار إلى دعم الحكومة الصومالية لقضايا السودان وفلسطين، وضمان حقوقهما السياسية والقانونية. كما تطرق العلماء إلى أزمة الجفاف وقلة الأمطار في بعض المناطق، داعين إلى التكافل والتعاون المجتمعي، وأداء صلاة الاستسقاء لتعزيز الوحدة الروحية والاجتماعية للشعب الصومالي.
يمكن القول إن مؤتمر علماء الصومال الثالث يمثل نموذجًا حيًا لدور العلماء في تعزيز الوحدة الوطنية، مواجهة التطرف، ودعم الحوكمة الرشيدة. فهو يعكس وعيًا عميقًا بالدور المجتمعي الذي يمكن أن يلعبه العلماء في بناء مجتمع متماسك، وتقوية الدولة، وحماية الشعب من الانقسامات والصراعات. كما يظهر أن الحلول المستدامة لتحديات الصومال تتطلب تضافر جهود الدولة والمجتمع المدني والعلماء، مع الالتزام بالقيم الدينية والأخلاقية لضمان السلام والاستقرار والازدهار.












