مقديشو برس
في خطوة تمثل امتداداً لجهود الحكومة الصومالية في استعادة هيبة الدولة وترسيخ قيم الاعتدال الديني، افتتح الرئيس حسن شيخ محمود، اُلإثنين، في مقديشو المؤتمر الثالث لعلماء الصومال الذي يُعقد في الفترة من 24 حتى 27 نوفمبر، بتنظيم من وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، وبحضور نحو 300 عالم صومالي من داخل البلاد وخارجها. ويحمل المؤتمر هذا العام شعار قوله تعالى: {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم}، ويأتي تحت العنوان الرئيسي: “تماسك المجتمع الصومالي واستقراره: المقوّمات والتحديات”.
اللقاء يأتي في سياق استراتيجي تتداخل فيه السياسة بالدين والاجتماع، ويعكس رغبة واضحة لدى الدولة في إعادة تمكين العلماء بوصفهم شركاء فاعلين في صياغة الوعي العام ومواجهة التطرف.
منذ إعادة انتخابه عام 2022، وضع الرئيس الدين في صدارة عناصر الهوية الوطنية، مؤكداً أن حماية المرجعية الدينية المعتدلة تُعد أساساً لاستقرار المجتمع الصومالي. في ظل محاولات الجماعات المسلحة استغلال الدين لتبرير أعمالها وكسب شرعية اجتماعية، ترى الحكومة أن تعزيز الدور المعتدل للعلماء يشكّل خط الدفاع الأول ضد الفكر المتطرف، ويعمل على ترميم النسيج الاجتماعي الذي تأثر بعقود من الانقسامات والصراعات.
الإشادة بوزارة الأوقاف وجهودها في بناء المقرات الجديدة، وإعادة تنظيم ملفات الحج، وإنشاء معهد الدراسات الشرعية وتخريج 197 طالباً، تعكس رؤية الحكومة لتحويل المؤسسات الدينية من هياكل رمزية إلى أدوات فعالة في الوعي المجتمعي ومواجهة التطرف.
ودعا الرئيس العلماء إلى “توحيد جهودهم وقيادة المجتمع نحو وحدة ورشد”، وهي دعوة تتجاوز الطابع الديني لتصبح رسالة سياسية واجتماعية في آن واحد. فالاعتماد على العلماء في توجيه الرأي العام، خصوصاً في القضايا الكبرى المرتبطة بالدولة والجماعات المسلحة، يظهر بوضوح في هذا السياق، ويشير إلى إدراك الحكومة لأهمية الدور المجتمعي لهم.
تجسد هذه الدعوة استراتيجية احتواء الانقسامات التي كان يثيرها خطاب بعض الفقهاء أو الجماعات المتشددة، وضمان تقديم خطاب موحد يسهم في دعم الدولة ومشروعها الأمني والسياسي.

من جانبه شدد وزير الدفاع أحمد معلم فقي على أن الحكومة تعتمد سياسة مزدوجة تقوم على “تعظيم مكانة العلماء ومواجهة الفكر المتطرف”، مشيراً إلى أن المؤتمرات الثلاثة الأخيرة للعلماء أسهمت في رفع وعي المجتمع بأن حركة الشباب لا تمثل الدين. هذه المقاربة تمثل امتداداً لاستراتيجية حكومية متكاملة منذ عامين، تجمع بين القوة العسكرية والقوة الدينية الناعمة، بهدف تجفيف منابع الدعم الاجتماعي للجماعات المسلحة، وضمان أن يصبح المجتمع حائط صد أمام الأفكار المتطرفة.
حملت مداخلات العلماء المشاركين في الملتقى رسائل متشابكة تؤكد دور المؤسسة الدينية في توجيه المجتمع نحو الوحدة والاستقرار. فقد ركز الشيخ شكل على إحياء الدعوة والتأكيد على ضرورة أن يركز الخطاب الديني على المصالح العامة للمجتمع، فيما شدّد الشيخ علي راغي على أهمية القيم والأخلاق كأساس للتماسك الاجتماعي. من جانبه، دعا الشيخ أويْس إلى نبذ الخلافات الداخلية بين العلماء وتعزيز روح الوحدة، بينما ربطت الشيخَ فرتون تحسن الوضع الأمني بجهود الدولة، مؤكدة أن الاستقرار جزء لا يتجزأ من عمل الجميع. وفي سياق معالجة الانقسامات المجتمعية، شدد الدكتور عبد القادر على دور العلماء في الوساطة المحلية، مؤكداً على ضرورة التفاهم والتقارب بين الأطراف المختلفة، فيما أشار الشيخ علي وجيز إلى أن دعم استكمال الدستور يشكل خطوة حاسمة نحو تحقيق استقرار سياسي دائم. هذه المداخلات تعكس رغبة العلماء في المشاركة الفاعلة بصياغة المشهد العام، وتقديم أنفسهم كقوة ناعمة تساهم في سد الفراغ الاجتماعي والسياسي وتعزيز الدور المجتمعي للدولة.

المؤتمر الثالث لعلماء الصومال ليس مجرد اجتماع ديني، بل محطة استراتيجية في مسار إعادة بناء الدولة الصومالية. الحكومة تراهن على العلماء ليس كعنصر رمزي، بل كشريك فعال في عمليات الإصلاح، مواجهة التطرف، وتعزيز المصالحة الداخلية. هذه الشراكة بين الدولة والمؤسسة الدينية تعكس رؤية واضحة لاستعادة الأمن والاستقرار، وتأسيس خطاب وطني موحد يحقق توازناً بين الدين والسياسة والمجتمع.













