مقديشو برس
تُعد مدرسة واجد في إقليم بكول واحدة من أقدم المؤسسات التعليمية في جنوب غرب الصومال، إذ تأسست عام 1945 في فترة الاستعمار الإيطالي، لتكون أول مركز تعليمي نظامي في الإقليم. وقد لعبت المدرسة منذ إنشائها دورًا محوريًا في نشر التعليم النظامي وتخريج أجيال من أبناء المنطقة الذين ساهموا لاحقًا في بناء مؤسسات الدولة الصومالية الحديثة.
منذ تلك الحقبة المبكرة، كانت المدرسة شاهدًا على جميع التحولات السياسية والاجتماعية التي مر بها الصومال. ففي زمن الاستعمار، كانت واجد مركزًا لتجربة التعليم المنظم، ضمن محاولات المستعمر الإيطالي فرض مناهجه التعليمية والإدارية. ومع بزوغ فجر الاستقلال في مطلع الستينيات، تحوّلت المدرسة إلى نموذج وطني للتعليم، بإشراف الدولة الصومالية التي أولت التعليم اهتمامًا كبيرًا بوصفه ركيزة أساسية لبناء الوطن.
غير أن العقود اللاحقة شهدت تدهورًا في أوضاع المدرسة، كما هو الحال في معظم المؤسسات التعليمية في البلاد. فمع اندلاع الحرب الأهلية مطلع التسعينيات وانهيار مؤسسات الدولة، توقفت العملية التعليمية في واجد، وتحول مبناها إلى موقع تستخدمه الفصائل المسلحة وزعماء الحرب الذين سيطروا على المدينة.
وفي فترات لاحقة، وقعت المدرسة تحت سيطرة حركة الشباب، التي حوّلتها إلى مقر إداري وعسكري، وأغلقت أبوابها أمام التعليم النظامي، في محاولة لطمس معالم التعليم المدني الذي كانت تمثله.
لكن هذا الواقع تغيّر تدريجيًا بعد استعادة الحكومة الفيدرالية السيطرة على المدينة، حيث تولت وزارة التربية والثقافة والتعليم العالي إدارة المدرسة من جديد. واليوم تُعد مدرسة واجد الابتدائية والإعدادية والثانوية واحدة من المدارس الرسمية التي تشرف عليها الوزارة، وتُقدَّم فيها خدمات تعليمية مجانية لأبناء الأسر الفقيرة والأيتام، بدعم من منظمات إنسانية وخيرية محلية ودولية تتكفل برواتب المعلمين والإداريين.
تمثل قصة مدرسة واجد نموذجًا مصغرًا لمسار التعليم في الصومال، الذي مر بمراحل متقلبة بين التأسيس، والازدهار، ثم الانهيار، فالنهضة من جديد. فهي ليست مجرد مؤسسة تعليمية، بل مرآة تعكس الواقع السياسي والاجتماعي للبلاد خلال العقود الثمانية الماضية.
فقد أثبتت التجربة أن التعليم في الصومال ظلّ من أكثر القطاعات تأثرًا بالأوضاع الأمنية والسياسية، إذ كلما شهدت البلاد اضطرابات، كان التعليم أول المتضررين. ومع ذلك، فإن استمرار مثل هذه المدارس حتى اليوم، رغم الحروب والاحتلالات المتعاقبة، يعكس روح الصمود لدى المجتمع الصومالي وإصراره على استعادة الحياة الطبيعية.
كما تبرز تجربة واجد أهمية الشراكة بين الدولة والمنظمات الإنسانية في دعم التعليم في المناطق الريفية والمحررة، حيث تلعب هذه الشراكات دورًا حيويًا في سدّ الفجوات التمويلية، وضمان استمرار العملية التعليمية في ظل محدودية موارد الحكومة.
إن بقاء مدرسة واجد قائمة بعد ثمانية عقود من التحديات هو شهادة حية على أن التعليم في الصومال لا يزال ينبض بالحياة، وأن إرادة المعرفة أقوى من رصاص الحرب.
 
			 
                                











