مقديشو برس/ الصحفي أحمد محمد أحمد
أثارت خطوة حزب العدالة والوحدة (الحزب الحاكم) بالإعلان عن ترشيح الدكتور حسن محمد حسين المعروف بـ “مونغاب” لمنصب محافظ إقليم بنادر ورئيس بلدية مقديشو موجة من الجدل السياسي داخل الحزب وخارجه، إذ جاءت هذه الخطوة في وقت بالغ الحساسية، مع اقتراب انطلاق الحملات الانتخابية للمجالس المحلية في العاصمة. الإعلان، الذي تم خلال فعالية حضرها وزراء ونواب ومسؤولون من الحزب إلى جانب مئات من أنصاره، كان يهدف ظاهريًا إلى توحيد الصفوف والتحضير للانتخابات، لكنه على العكس كشف عن خلافات عميقة داخل الحزب بين القيادات التاريخية والشخصيات الديناميكية الجديدة.
ويشكل رفض القيادي البارز ورئيس بلدية مقديشو السابق يوسف حسين جمعالي المعروف بـ “مدالي” لهذا القرار مؤشرًا على وجود صراع داخلي بين أجنحة الحزب، حيث وصف الإعلان بأنه خرق صريح للوائح الداخلية للحزب واتُخذ دون استشارة مؤسسات الحزب الرسمية، معتبراً أن هذه الخطوة قد تقوض قيم العدالة والمشاركة التي تأسس عليها الحزب منذ أكثر من خمسة عشر عامًا.
وقال في مؤتمر صحفي: “من المؤسف أن يُعلن عن مرشح باسم الحزب دون الرجوع إلى مؤسساته الرسمية. هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها تجاوز النظام الداخلي، لكن هذه المرة لن نصمت، لأننا ندافع عن قيم العدالة والمشاركة التي من أجلها أنشأنا الحزب.”
ويُعرف مدالي بهدوئه السياسي وعلاقاته الواسعة مع مختلف مكونات المجتمع الصومالي، إضافة إلى أنه صديق مقرب للرئيس حسن شيخ محمود ويعد من أبرز رجاله الموثوقين في العاصمة، مما يجعله شخصية جامعة ومرجعية داخل الحزب وخارجه.
على الجانب الآخر، يمثل مونغاب الوجه السياسي الديناميكي الذي يتميز بالقدرة على المناورة والخبرة الإدارية، فقد شغل منصب رئيس بلدية مقديشو مرتين ورئاسة المحكمة العسكرية للقوات المسلحة، وكان حتى وقت قريب ضمن صفوف المعارضة قبل أن ينضم مؤخرًا إلى الحزب الحاكم ويصبح مرشحًا رسميًا. هذه العودة المفاجئة من المعارضة إلى صفوف الحزب الحاكم، في وقت حساس قبل الانتخابات، تعكس استراتيجية محتملة للحزب لاستيعاب شخصيات مؤثرة وذات حضور شعبي في العاصمة، مع محاولة السيطرة على مفاصل النفوذ قبل بدء الحملات الانتخابية الرسمية.
وتكشف هذه الأزمة عن صراع هادئ لكنه عميق بين التوازن والاستقرار من جهة، الذي يمثله مدالي، والديناميكية والسيطرة من جهة أخرى، التي يجسدها مونغاب. ويعتبر الكثير من المحللين أن التوقيت الذي تم فيه الإعلان عن المرشح بينما الرئيس حسن شيخ محمود في زيارة خارجية قد يفتح الباب أمام توترات إضافية داخل الحزب، ويضع قيادته العليا أمام اختبار صعب للحفاظ على وحدة الصف الداخلي وضمان عدم تأثير الخلاف على الجبهة الانتخابية في العاصمة.
حسن شيخ محمود تمكن منذ تأسيس الحزب قبل أكثر من خمسة عشر عامًا من الحفاظ على تماسك نادر في المشهد الحزبي الصومالي، إذ لم يشهد الحزب أي انشقاق أو انقسام داخلي يُذكر، رغم انتقاله بين فترات الحكم والمعارضة، وهو ما يعدّ إنجازًا بحد ذاته في بيئة سياسية متقلبة.
فالكثيرون داخل الساحة السياسية يتساءلون:كيف تم الإعلان عن مرشح لمنصب حساس كـ محافظ العاصمة بهذه السرعة؟
ولماذا اختير هذا التوقيت بالذات بينما الرئيس حسن شيخ محمود، مؤسس الحزب وزعيمه، في زيارة خارج البلاد؟
وفي ضوء ما سبق، يبدو أن مقديشو على موعد مع منافسة غير تقليدية بين رجلين حمل كل منهما مسؤولية العاصمة في فترات مختلفة، أحدهما يمثل الخبرة والاستقرار والولاء التاريخي للحزب، والآخر يمثل التحرك الديناميكي والقدرة على التكيّف مع المتغيرات السياسية. وبغض النظر عن النتائج النهائية للمرحلة الانتخابية المقبلة، فإن ما جرى في داخل حزب العدالة والوحدة لا يُعد مجرد إعلان ترشح عادي، بل هو تحوّل سياسي يعيد رسم التوازنات داخل الحزب الحاكم ويختبر قدرته على التعامل مع الخلافات الداخلية في مرحلة دقيقة من تاريخ العاصمة الصومالية.












