في اليوم الثاني من رحلة الهروب من الجفاف والجوع، لم يعد في استطاعة الطفلة أمينة عبدي السير، إذ مضى عليها أكثر من أسبوع لم تتناول فيه أي طعام. وكان جسمها النحيل عبارة عن هيكل عظمي، وانهارت في الصحراء البرتقالية ورقدت بلا حراك. وعبثاً حاولت والدتها هز جسمها بحثاً عن نبض حياة.
وأمينة، واحدة فقط من مئات الأطفال الذين ماتوا جوعاً في الأسابيع الأخيرة، وضحية من ضحايا الجفاف الأسوأ في أربعة عقود فضلاً عن التقاء الأزمات التي جعلت الصومال على شفا الجوع.
وبخلاف مآس سابقة، فإن الوضع هذه المرة يفاقمه حدث على مسافة 3 آلاف ميل، وهو الغزو الروسي لأوكرانيا الذي يفاقم الجوع في الصومال وبلدانٍ أخرى، ويزيد الوفيات والمرض وتشتت العائلات وفقدان سبل العيش بعيداً عن خطوط الجبهة.
الحبوب وزيوت الطبخ
ويقول سوداراسان راغفان في صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية إنه قبل الغزو، كانت اوكرانيا وروسيا في مقدمة منتجي ومصدري الحبوب وزيوت الطبخ، وهما تزودان الصومال تقريباً بكل استهلاكه من القمح. وأدى تعطل تصدير النفط الخام من روسيا إلى ارتفاع أسعار الوقود، وكلفة النقل وانتاج الغذاء. وأسعار المواد الغذائية التي تعاني أصلاً من الإرتفاع بسبب الجفاف والأوبئة، شهدت إرتفاعاً جديداً، في ظل استمرار روسيا في سد طرق التصدير الأوكرانية عبر البحر الأسود.
ويقول مدير الفرع الصومالي لمنظمة “سايف ذا تشيلدرن” محمود محمد حسن إن “الأزمة هي الأسوأ التي أشهدها خلال عملي المستمر منذ 20 عاماً، وذلك بسبب تأثيرات الحرب في أوكرانيا، عليها…إن مجتمعات بكاملها على حافة الإنهيار”.
والشهر الماضي، عرضت وزارة الدفاع الروسية توفير ممر للسفن التي تحمل القمح الأوكراني وسلعاً أخرى- لكن شرط رفع العقوبات الغربية. ووصف الممثل الأعلى للإتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل الحصار الروسي بأنه “جريمة حرب”. وقال الأسبوع الماضي: “لا يمكنك أن تستخدم الجوع سلاحاً”.
18.4 مليون شخص
وهناك أكثر من 18.4 مليون شخص في الصومال وأثيوبيا وكينيا يواجهون عدم أمان غذائياً في الوقت الحاضر وفق الأمم المتحدة. و7.1 ملايين من هؤلاء موجودون في الصومال-أي نصف عدد السكان تقريباً- من بينهم 250 ألفاً يواجهون جوعاً وشيكاً. والكثير من المجتمعات لم تتعاف بعد من الجفاف الذي اجتاح البلاد عام 2017 أو المجاعة الأخيرة في 2011.وفي الربع الأول من هذه السنة، فر أكثر من نصف مليون صومالي بحثاً عن الطعام.
ولفت الكاتب إلى أن أطفال الصومال هم الأكثر عرضة للخطر. وتقدر اليونيسيف أن هناك 1.4 مليون دون الخامسة يعانون من سوء تغذية حاد. وتظهر بيانات الأمم المتحدة أنه كان هناك 448 وفاة بين الأطفال في مراكز العلاج من سوء التغذية بين يناير (كانون الثاني) وأبريل (نيسان) .
ومع ذلك، فإن الأرقام الحقيقية هي أعلى بكثير وفق ما يقول موظفو الأمم المتحدة لأن الكثير من الوفيات لا يتم إحصاؤها. ويموت الأطفال في منازلهم -بقرى يخشى عمال الإغاثة من الذهاب إليها- بسبب الجوع والحصبى والكوليرا. ويدفنون في الغالب في قبور مجهولة بالصحراء أو في مخيمات للنازحين.
المصدر : الإمارات 24