مقديشو برس / بقلم الصحفي أحمد محمد أحمد
في مشهد وصفه مراقبون بأنه يحمل دلالات تتجاوز السياسة المحلية، حط رئيس وزراء الصومال حمزة عبدي بري، يوم السبت 12 أبريل 2025، رحاله في مدينة لاسعانود — قلب إقليم سول — في زيارة تاريخية تُعد الأولى من نوعها لمسؤول حكومي رفيع من الحكومة الفيدرالية، منذ سقوط النظام العسكري وانهيار مؤسسات الدولة الصومالية مطلع التسعينات.
زيارة رئيس الوزراء جاءت تتويجًا لمسار طويل من الأحداث السياسية التي هزت شمال البلاد، بدءًا بإعلان محافظات الشمال الاستقلال عن بقية أجزاء الصومال تحت اسم “صوماليلاند” في مايو 1991، عقب الفراغ السياسي الذي خلفه انهيار الدولة. رغم غياب الاعتراف الدولي، نجحت “صوماليلاند” في بناء نظام سياسي يتمتع باستقرار نسبي وإجراء انتخابات دورية، وهو ما أكسبها احترامًا لافتًا في الأوساط الدولية باعتبارها منطقة مستقرة في محيط مضطرب.
لكن محاولات تثبيت هذا الواقع اصطدمت بملف معقد من التفاوض بين مقديشو وهرغيسا. فقد جرت خلال العقدين الأخيرين عدة جولات حوار بين الجانبين برعاية دول إقليمية ودولية، شملت جيبوتي، أنقرة، لندن وأبوظبي. إلا أن هذه المحادثات لم تسفر عن اتفاق سياسي، بسبب تمسك صوماليلاند بموقف الانفصال، ورفض مقديشو الاعتراف بتقسيم البلاد.
الأوضاع العسكرية والسياسية عادت للاشتعال مجددًا في 2022 عندما اندلعت مواجهات دامية بين قوات صوماليلاند ومقاتلين محليين من سكان إقليم سول الرافضين للإدارة القادمة من هرغيسا. وسرعان ما تمكنت تلك القوات المحلية من طرد صوماليلاند من المدينة بعد سيطرة دامت قرابة 16 عاماً منذ 2007، وإعادة رفع علم الصومال الاتحادي وإعلان إدارة جديدة تحت اسم “SSC-Khaatumo” — الاسم الذي يحمل جذوراً تاريخية منذ عقد مضى.
زيارة حمزة عبدي بري اليوم إلى لاسعانود ليست مجرد رحلة سياسية، بل إشارة واضحة على إغلاق صفحة من تاريخ الصراع وفتح أخرى جديدة تقوم على الشراكة السياسية والوحدة الوطنية. ففي كلمته المقتضبة لدى استقباله في مطار لاسعانود، أشار رئيس الوزراء إلى أن هذه الزيارة “تفتح صفحة جديدة من الوحدة الوطنية”، وتؤكد أن الحكومة الفيدرالية تقف مع كافة المناطق الساعية إلى الأمن والتنمية.
من جانبه، قال المتحدث باسم الحكومة الصومالية، فرحان جمعالي، إن الزيارة تمثل خطوة لتعزيز وحدة الصومال وإعادة بناء الثقة بين المركز والمناطق التي شهدت نزاعات، مشددًا على أن السلام والاستقرار في لاسعانود هو جزء لا يتجزأ من أمن واستقرار الصومال ككل.
زيارة رئيس الوزراء قد تضع حجر الأساس لاعتراف رسمي محتمل من قبل الحكومة الفيدرالية بإدارة SSC-Khaatumo كولاية رسمية ضمن النظام الفيدرالي الصومالي، وهو اعتراف لو حدث، سيعيد تشكيل الخارطة السياسية شمال البلاد، ويمثل ضربة قاصمة لطموحات الانفصال التي ظلت صوماليلاند تحلم بها طوال أكثر من ثلاثة عقود.
وفيما يرى مراقبون أن هذه الزيارة قد تكون بداية النهاية لفكرة الانفصال، تبقى الأنظار معلقة على نتائج الاجتماعات والحوارات التي سيعقدها رئيس الوزراء مع قادة SSC في الأيام المقبلة، لمعرفة ما إذا كانت الوحدة الوطنية ستُترجم أخيرًا إلى واقع سياسي جديد ينهي عقوداً من الانقسام، ويُرسخ لصومال موحد قادر على تجاوز موروث الحرب والتشظي.