حالة من التخبط يعيشها تنظيم القاعدة الإرهابي حاليًا بعد إعلان مقتل زعيم التنظيم أيمن الظواهري في غارة شنتها طائرة أمريكية بدون طيار في أفغانستان، وظهور إشكالية حول خلفائه في القيادة وتسريب أسماء منذ فترة حول من لهم الأحقية في «الخلافة».
وبحسب وثيقة سابقة تم تسريبها عن القاعدة وكشفت الأسماء المرشحة لخلافة الظواهري بعد مطالبته بالتنحي وتنصيب حمزة بن لادن مكانه لاستكمال مشروع والده، في ظل فشل الظواهري المعروف بـ(الأمير المسردب) في إدارة التنظيم”.
الوثيقة أوردت أسماء كل من «أبوالخير المصري» في المرتبة الأولى، ما يعني أنه الرجل الثاني قبل سقوطه في فبراير 2017، وهو المولود في محافظة الشرقية في مصر عام 1957، وصهر مؤسّس التنظيم، أسامة بن لادن، واسمه الحقيقي عبدالله محمد رجب عبدالرحمن.
و«أبوالخير المصري» كان عضوًا في مجلس شورى تنظيم «الجهاد المصري»، وصدر ضده حكم بالمؤبد في قضية «العائدون من ألبانيا» عام 1998، وفي عام 2005 وضع أبوالخير على قائمة الإرهاب الأمريكية.
جاء في المرتبة الثانية أبومحمد المصري الشهير بـ«أبومحمد الزيات»، وكان نائب الظواهري والرجل الثاني بعد وفاة «أبوالخير المصري»، وفي المرتبة الثالثة «سيف العدل»، الضابط السابق بالقوات الخاصة في الجيش المصري، وارتبط بتنظيم «الجهاد المصري» وقتها، وفقا للمعلومات التي ذكرها برنامج مكافحة الإرهاب الأمريكي.
ويأتي في المرتبة الرابعة ناصر الوحيشي أو «أبوبصير»، الذي جرى استهدافه 12 يونيو 2015 بغارة لطائرة دون طيار في حضرموت شرق اليمن، فيما تنحصر المنافسة على قيادة التنظيم حاليًا بين كل من عبدالله أحمد عبدالله المكنى بـ«أبومحمد المصري»، ومحمد صلاح الدين زيدان المكنى بـ«سيف العدل».
من هو سيف العدل المرشح لقيادة تنظيم القاعدة ؟
«سيف العدل» هو محمد صلاح الدين زيدان، ولد في محافظة المنوفية عام 1960، واُلقي القبض عليه مايو 1987، في القضية المعروفة إعلاميًا بـ«إعادة إحياء تنظيم الجهاد»، والتورط في محاولة اغتيال وزير الداخلية المصري حسن أبوباشا، قبل أن يُطلق سراحه لعدم كفاية الأدلة، ليهرب إلى السعودية، ومنها إلى السودان، ثم إلى أفغانستان عام 1989، ليقرر أخيرًا الانضمام إلى صفوف تنظيم «القاعدة».
ورغم أن «سيف العدل» لم يكم من المؤسسين الأوائل لتنظيم «القاعدة»، لكنه لعب دورًا أساسيًا في بناء القُدرات العسكرية والتأهيلية لتنظيم القاعدة، بفضل خبراته العسكرية التي تكونت خلال مرحلة التحاقه بالجيش المصري.
ووضع «سيف العدل» الكثير من الأسس والخبرات والتجارب للموسوعة الجهادية العسكرية، التي تعلم منها عناصر تنظيم «القاعدة»، وغيرهم من عناصر التنظيمات الجهادية المسلحة، مثل المداهمات الأمنية، وطرق تنفيذ عمليات الخطف والاغتيالات، والرصد والمتابعات، وطرق جمع المعلومات العسكرية والاستخباراتية، وكيفية استهداف العناصر المراد اغتيالها، وغيرها من القُدرات التأهيلية التي عززت من قوة التنظيم.
في منتصف التسعينيات، ترأس «سيف العدل» اللجنة الأمنية لتنظيم «القاعدة»، وقبل ذلك، وفي عام 1993 تحديدًا، سافر إلى الصومال لإقامة معسكرات تدريبية للمُسلحين، لاستهداف قوات حفظ السلام هناك وبالأخص الأمريكيين منهم، وحينها وجهت الولايات المتحدة الأمريكية، اتهامات إلى «سيف العدل»، بتدريب المُسلحين الذين قتلوا 18 جنديًا أمريكيًّا في مقديشو سنة 1993.
مكافأة لمن يدلي بمعلومات عن سيف العدل
وعرضت الولايات المتحدة الأمريكية مكافأة قدرها 5 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى اعتقاله، وجرى وضع اسمه على قائمة مكتب التحقيقات الفيدرالي «إف بي آي” لأبرز الإرهابيين المطلوبين.
كان «سيف العدل» سببا رئيسًا في تنسيق العلاقات بين بن لادن والزرقاوي، إذ أنّه في عام 1999 التقى بالزرقاوي، بعد وصول الأخير إلى قندهار، وأسفر اللقاء عن إقناع العدل لـ أسامة بن لادن بالاستثمار في تنظيم «التوحيد والجهاد» التابع لأبي مصعب الزرقاوي، ومن خلال توفير رأس المال المبدئي أصبح الزرقاوي قادرًا على إنشاء مُعسكر «حيرات» على الحدود الأفغانية الإيرانية.
تزوج «سيف العدل» من ابنة الجهادي المصري الشيخ مصطفى حامد الشهير بـ«أبوالوليد المصري»، والذي تعتبره التنظيمات الجهادية المسلحة «شيخ المجاهدين العرب في أفغانستان»، التي وصلها في عام 1979، ويخضع للإقامة الجبرية في إيران.
إيران والقاعدة
عقب وصول «سيف العدل» إلى إيران أعاد اتصالاته مع القيادة العليا لـ«القاعدة» في منطقة أفغانستان وباكستان وأرسل عناصر إلى أفغانستان لتنفيذ عمليات، ومن ثم يشار إلى أنه لعب دورًا في تفجيرات الرياض في مايو 2003، ما دفع المملكة السعودية والولايات المتحدة للضغط على طهران لسجنه، وبالفعل وضع تحت الإقامة الجبرية في إيران.
الكثير من التقارير الإعلامية وقعت في خلط متعمد بين شخصية سيف العدل، المسؤول العسكري لتنظيم «القاعدة”، وبين شخصية محمد إبراهيم مكاوي المكنى بأبي المنذر، الذي كان ضابطا في سلاح الصاعقة المصري في ثمانينات القرن الماضي، وقد سافر من مصر إلى أفغانستان عام 1987، وكان قد تم اعتقاله قبل ذلك، وكان منتميا لخلية جهادية في مصر يتزعمها القياديان عصام القمري، الرائد بسلاح المدرعات المصري، وعبدالعزيز الجمل، وهو متزوج من حفيدة مؤسس الجماعة الإسلامية في باكستان ومقيم بباكستان، وقد عاد مكاوي طواعية إلى مصر بعد عام من أحداث 25 يناير 2011.
بينما ينافسه عبدالله أحمد عبدالله، المكنى بـ«أبومحمد المصري»، نائب الظواهري والرجل الثاني، عقب وفاة «أبوالخير المصري”. ويعتبر «أبومحمد المصري” من المؤسسين الأوائل لتنظيم «القاعدة”، وعمل كخبير لصناعة المتفجرات، وشغل لفترة طويل مسؤولية «اللجنة الأمنية” لتنظيم بن لادن، وكان من المقربين من الملا عمر حاكم طالبان اثناء إقامته في قندهار، كما كان مسؤولا لفترة طويلة عن معسكر الفاروق، المعني بتدريب العناصر الجهادية الجديدة، كما كان عضوا بالمجلس الاستشاري لتنظيم «القاعدة».
في 19 سبتمبر 2015، كشفت تقارير استخباراتية أمريكية أن طهران أبرمت صفقة سرية مع تنظيم «القاعدة»، لإطلاق سراح 5 من قياداته، وضعتهم قيد الإقامة الجبرية، بعد غزو القوات الأمريكية معظم الأراضي الأفغانية، مقابل تحرير دبلوماسي إيراني كان مختطفا في اليمن، وهم: «أبو الخير المصري»، مسؤول العلاقات الخارجية، و«سيف العدل”، قائد الجناح العسكري، و«أبومحمد المصري”، أبرز القادة العسكريين، والأردنيان خالد العاروري وساري شهاب.
تاريخ من الاتهامات
يتردد أن «أبو محمد المصري”، مع صديقه «سيف العدل»، هما من قاما بتدريب خاطفي الطائرات في 11 سبتمبر2001، والتي نفذت عملية «منهاتن”، على استخدام المتفجرات. فيما يرتبط «أبومحمد المصري” بعلاقة مصاهرة مع أسامة بن لادن، حيث تزوجت ابنته من «حمزة بن لادن”، كما يرتبط بعلاقة نسب مع محمد عيد إبراهيم شرف، وكنيته «أبوالفرج اليمني”، مسؤول اللجنة الشرعية لتنظيم «الجهاد المصري”، الذي تسلمته الأجهزة الأمنية المصرية من السلطات الإماراتية، في أغسطس 2002، بعد الحكم عليه غيابيا بالسجن 10 سنوات في قضية «العائدون من ألبانيا”.
كان «أبومحمد المصري” من المنادين بالحفاظ على أدبيات جماعة «الجهاد المصري»، التي شارك في تأسيسها «أيمن الظواهري”، زعيم «القاعدة” الحالي، قبل انضمامها إلى «الجبهة العالمية لقتال اليهود والصليبيين”، حيث تبنى «أبومحمد المصري»، فكرة «العدو القريب»، وكان يراها أولى من قتال «العدو البعيد».
واتهم «أبومحمد المصري” بالإشراف المباشر على تفجيرات السفارات الأمريكية في إفريقيا 1998، والتي اسفرت عن مقتل 231 شخصا، بينهم 12 أمريكيًا، كما ارتبط اسمه بـ«هجمات الرياض” 2003، والتي جاءت، حسب تقارير استخباراتية أمريكية، بأن أوامر صدرت من جنوب إيران من قبل قيادات «القاعدة الهاربة” من أفغانستان، إلى إيران على رأسهم القيادي أبومحمد المصري، و«سيف العدل” المسؤول العسكري للقاعدة، وارتباطهما بالوسيط على عبدالرحمن الغامدي المكني بـ«أبي بكر الأزدي”، مسؤول خلية «القاعدة” في السعودية، أحد المطلوبين في قائمة الـ19 في «تفجيرات الرياض”، وحلقة الوصل بين قيادات «القاعدة” في إيران، والخلية المنفذة.