كاتب صحافي متخصص في قضايا القرن الإفريقي
الملخص:
تشهد الانتخابات الرئاسية في صوماليلاند تنافسًا محتدمًا بين الرئيس المنتهية ولايته ومرشح حزب كلميه الحاكم، موسى بيجي عبدي، ومرشح حزب وطني المعارض، عبد الرحمن محمد عبد الله “عرو”. تُظهر التظاهرات الانتخابية الأخيرة تقاربًا كبيرَا في شعبية المرشحين، هذا التقارب يعكس حالة الاستقطاب الشعبي وعمق التنافس السياسي المحموم الذي يسيطر على المشهد الانتخابي، مما يجعل من الصعب التنبؤ بالنتائج النهائية للانتخابات.
المشهد السياسي الراهن
منذ بداية الحملات الانتخابية، انقسم الشارع الصوماليلاندي بين مؤيد للحزب الحاكم الداعم للاستقرار، ومؤيد للمعارضة التي تدعوا إلى التغيير السلمي والمصالحة الوطنية، في هذا السياق، يسعى مرشح الحزب الحاكم، موسى بيجي عبدي للفوز بولاية جديدة مستفيدًا من استقرار حزبه والدعم المؤسسي الرسمي الذي يتمتع به. وقد نجح بيجي في تعزيز موقعه عبر تسليط الضوء على إنجازاته خلال فترة حكمه الماضية والتعهد باستمرار مشاريع التنمية والحفاظ على الاستقرار.
في الجهة المقابلة، يظهر مرشح حزب وطني المعارض، عبد الرحمن محمد “عرو”، منافسا شرسا يسعى لتحدي هيمنة الحزب الحاكم، ويحظى عرو بدعم كبير في المناطق الحضرية وبين بعض الفئات الشبابية المتعطشة للتغيير، كما يتمتع حزبه بسمعة جيدة كقوة سياسية رئيسية تقدم بديلاً عن الحزب الحاكم.
التوجهات الاستراتيجية للمرشحين:
تركز استراتيجية موسى بيجي عبدي في المقام الأول على تعزيز صورته كمرشح استقرار. فبدلاً من إعادة تقديم وعود جديدة، يفضل بيجي إبراز الإنجازات التي تحققت في عهده، مثل مشاريع البنية التحتية المستمرة والمبادرات التنموية في جميع أنحاء البلاد. كما يركز في حملته على الاستمرار في الحفاظ على العلاقات الدولية الإيجابية، مع التأكيد على تطور صوماليلاند كدولة مستدامة في القرن الإفريقي.
من جانب آخر، يسعى عبد الرحمن “عرو” إلى تغيير قواعد اللعبة السياسية من خلال برنامجه الانتخابي الذي يركز على إعادة بناء الثقة بين الحكومة والشعب، مع التأكيد على ضرورة تحقيق المصالحة الوطنية بين مختلف المكونات الاجتماعية في البلاد. كما يولي “عرو” اهتمامًا كبيرًا بقضية الاعتراف الدولي بصوماليلاند، حيث يسعى للحصول على اعتراف دولي غير مشروط، وهو أمر يعزز موقفه في ظل حالة الإحباط التي يشعر بها المواطنون من القيادة الحالية.
استراتيجية الحزب الحاكم والمعارضة:
استغل موسى بيجي عبدي تراجع المعارضة في تقديم برامجها الانتخابي بشكل فعال، ليعزز مكانته بين الناخبين. ركز على إبراز إنجازاته وتعهد بمواصلة تعزيز الاستقرار، مما أسهم في تعزيز صورته كمرشح أكثر قدرة على تحقيق الاستقرار في المرحلة المقبلة. ويراه البعض الخيار الأفضل لتجنب أي تقلبات قد تؤدي إلى خلل في استقرار البلاد.
أما بالنسبة لعبد الرحمن “عرو”، فقد فشل في تقديم برامج واضحة في بعض الأحيان، مما أضعف تأثير حملته الانتخابية على الناخبين. لكن، يبقى برنامجه الداعي إلى العدالة الاجتماعية والمصالحة الداخلية قد يحقق له تأييدًا إضافيًا، خصوصًا مع تزايد السخط الشعبي تجاه الحزب الحاكم.
الاستقطاب الشعبي والتأثير على النتائج:
إن الاستقطاب الشعبي في صوماليلاند لا يقتصر فقط على التنافس بين الحزب الحاكم والمعارضة، بل يمتد ليشمل جوانب اجتماعية واقتصادية عديدة، حيث يسعى كل طرف لتوظيف التحديات التي تواجه المواطنين لتحقيق مكاسب سياسية. من جهة أخرى، يعكس التقارب الكبير بين موسى بيجي وعبد الرحمن “عرو” حالة من التنافس السياسي المحتدم، الذي سيترك بصمته على نتائج الانتخابات. هذا الوضع يعكس عمق الانقسامات في المجتمع الصوماليلاندي، وقد يكون له تأثير كبير على النتيجة النهائية، إذ قد يؤدي عدم اليقين في أصوات الناخبين إلى تحولات غير متوقعة في اللحظات الأخيرة.
العوامل المؤثرة على نتائج الانتخابات:
1. الوضع الاقتصادي:
تعاني صوماليلاند من تحديات اقتصادية مستمرة، حيث يشكل نقص الوظائف وارتفاع تكاليف المعيشة عوامل ضاغطة على المجتمع. ويأتي المرشحون في هذا السياق ببرامجهم الاقتصادية كسبيل لجذب الناخبين، فبينما يعد موسى بيجي بتحقيق استقرار نسبي في الاقتصاد، يقدم عرو خططًا طموحة لتحفيز النشاط الاقتصادي وتطوير الخدمات الأساسية، مما قد يكسبه تأييد الفئات الشبابية الباحثة عن تغيير ملموس.
2. العامل القبلي:
يظل الولاء القبلي مؤثرًا رئيسيًا في تشكيل التوجهات السياسية. يلعب الزعماء القبليون دورًا في توجيه أصوات الناخبين، خاصة في المناطق الريفية حيث تعتبر الولاءات القبلية أكثر استقرارًا. هذه الديناميكية قد تضع المعارضة في موقف أقوى، لا سيما وأنها نجحت في حشد دعم القبائل الرئيسية، كما يسعى مرشح المعارضة للاستفادة من الفئات الشبابية التي تتطلع إلى إصلاحات سياسية واجتماعية حقيقية في البلاد.
3. التدخلات الخارجية:
مع اعتبار صوماليلاند منطقة استراتيجية في القرن الإفريقي، تظهر بعض القوى الإقليمية والدولية اهتمامًا بالانتخابات، نظراً للتأثير المحتمل على استقرار المنطقة والتوازنات السياسية. دعم بعض القوى الإقليمية لموسى بيجي، مثلًا، قد يعزز موقفه، في حين أن انفتاح عرو على الشراكات الدولية والإقليمية قد يجذب اهتمام بعض الفاعلين الخارجيين. وهو ما يجعل الدعم الخارجي عاملاً مؤثرًا، لكنه قد يثير أيضًا مخاوف بشأن مدى تأثيره على سيادة القرار الداخلي.
السيناريوهات المحتملة:
1. فوز عبد الرحمن عرو بفارق مريح:
في حال استمرار تراجع شعبية الحزب الحاكم وعدم تجاوب الناخبين مع إنجازاته، فإن عبد الرحمن عرو قد يحقق فوزًا واضحًا، ما سيضعه أمام تحديات جمة تتعلق بتنفيذ وعوده الانتخابية، خاصة المتعلقة بالقضايا الاقتصادية وتطوير البنية التحتية.
2. فوز موسى بيجي عبدي بفارق طفيف:
يمكن أن يؤدي فوز موسى بيجي بفارق ضئيل إلى مرحلة سياسية متوترة، حيث قد يسود الانقسام داخل المجتمع، وقد تتطلب النتائج جهودًا لتحقيق توافق بين الأطراف المتنافسة لضمان الاستقرار السياسي.
3. انتخابات متقاربة ونتائج متنازع عليها:
إذا جاءت النتائج متقاربة للغاية، فقد تُثار مزاعم التزوير أو التدخلات غير المشروعة، مما يزيد من احتمالية النزاعات السياسية والشعبية. هذه الحالة تتطلب جهودًا إضافية من قبل الأحزاب لضبط أنصارها والتأكيد على الأهمية الوطنية للاستقرار الديمقراطي.
4. تدخل المجتمع الدولي:
في حال حدوث نزاعات بعد إعلان النتائج، قد تتدخل بعض القوى الدولية لتهدئة الوضع ودعم الحلول السلمية، للحفاظ على استقرار المنطقة. التدخل الدولي قد يكون محوريًا في تهدئة الأوضاع أو دعم المفاوضات بين الأطراف، وهو أمر يعتمد على حجم التأييد الداخلي لأي طرف ومصالح الجهات الخارجية.
الخلاصة:
تشكل الانتخابات الرئاسية في صوماليلاند اختبارًا حقيقيًا لقدرتها على إدارة عملية ديمقراطية ناجحة وسط التوتر السياسي والتنافس الحاد. ومع اقتراب موعد الانتخابات، تظل الحاجة إلى التزام المرشحين والأحزاب بالمبادئ الديمقراطية والشفافية، لضمان إجراء انتخابات نزيهة وسلمية.