مقديشو برس/ بقلم الصحفي أحمد محمد أحمد
شهدت زيارة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود إلى إثيوبيا تطورًا مفاجئًا ومثيرًا للاهتمام على المستويين الداخلي والإقليمي. تأتي هذه الزيارة في سياق دبلوماسي متوتر، بعد انقطاع العلاقات الرسمية بين البلدين لمدة عام تقريبًا، بسبب خلافات جوهرية كان أبرزها توقيع مذكرة تفاهم بين إثيوبيا و”صوماليلاند“، المعلنة من طرف واحد، والتي تمنح البحرية الإثيوبية حق التموضع على سواحل خليج عدن من خلال بناء قاعدة عسكرية واستخدام ميناء بربرة لأغراض تجارية، مقابل اعتراف أديس أبابا بصوماليلاند دولةً ذات سيادة، في بداية العام الماضي. ما تبع ذلك من توتر بسبب تعامل إثيوبيا مع الوفد الصومالي خلال القمة السابقة للاتحاد الإفريقي. تهدف هذه المقالة إلى تسليط الضوء على أبرز ملاحظات الزيارة وأهميتها في سياق العلاقات الصومالية الإثيوبية، وكذلك تأثيرها على المشهد السياسي في القرن الإفريقي.
أولًا: زيارة مفاجئة بعد انقطاع العلاقات
كانت زيارة الرئيس حسن شيخ محمود إلى أديس أبابا غير متوقعة، خاصة بعد التوترات التي شابت العلاقات بين البلدين العام الماضي. فقد رأت الصومال في مذكرة التفاهم بين إثيوبيا وصوماليلاند تجاوزًا واضحًا على سيادتها، مما دفعها إلى قطع التواصل الدبلوماسي الرسمي مع إثيوبيا. إضافة إلى ذلك، أثار تعامل السلطات الإثيوبية مع الوفد الصومالي المشارك في القمة الإفريقية السابقة غضبًا في مقديشو، حيث اعتُبر تصرفًا يفتقر إلى الاحترام الواجب في العلاقات الدولية.
وشهدت الزيارة تبادل وجهات النظر بين الجانبين حول القضايا الثنائية والإقليمية ذات الاهتمام المشترك، وتم التوافق على تعزيز العلاقات بين شعبي البلدين.
واتفق الطرفان على تعزيز العلاقات الثنائية من خلال إعادة التمثيل الدبلوماسي الكامل في عاصمتي البلدين، مع التركيز على ضرورة التنسيق الوثيق بين البعثات الدبلوماسية في المحافل الإقليمية والدولية لمعالجة القضايا ذات الصلة.
ثانيًا: توقيت استراتيجي وحسابات إقليمية
تأتي الزيارة في وقت يشارك فيه وزير الخارجية الصومالي، معالي أحمد معلم فقي، في قمة ثلاثية مع نظيريه المصري والإريتري، تهدف إلى تنسيق الجهود لمواجهة خطط إثيوبيا المتعلقة بوصولها إلى الممرات البحرية.
بحث الوزراء الثلاثة خلال الاجتماع الخطوات التنفيذية التي تم اتخاذها بناء على توجيهات السادة رؤساء الدول الثلاث في قمة أسمرة، لتعزيز الأمن في منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر، والحفاظ على وحدة وسيادة دول المنطقة، في إطار قواعد وأحكام القانون الدولي ومبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.
وقال وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي إن أمن البحر الأحمر “مرهون بإرادة الدول المشاطئة فقط”، معربًا عن رفض القاهرة أي حضور عسكري أو بحري لغير تلك الدول.
هذا التزامن يثير تساؤلات حول الأهداف الاستراتيجية من الزيارة، خاصة في ظل التنافس الإقليمي المتزايد على النفوذ والموارد. توقيت الزيارة يعكس مرونة دبلوماسية من الجانب الصومالي، وسعيًا لتوسيع خياراته في التعامل مع التحولات الإقليمية.
ثالثًا: استقبال استثنائي يعكس تغيرًا في الموقف الإثيوبي
شهدت الزيارة استقبالًا استثنائيًا للرئيس الصومالي، حيث زُينت شوارع أديس أبابا بالعلم الصومالي وصور الرئيس حسن شيخ محمود. كما خصص الإعلام الإثيوبي تغطية واسعة للزيارة، مع إشادة واضحة من السياسيين الإثيوبيين بأهميتها. وتمت دعوة الرئيس الصومالي لجولات في أماكن تاريخية وحديثة، مما يشير إلى رغبة إثيوبيا في تحسين علاقاتها مع الصومال وإعادة بناء جسور الثقة التي تأثرت في الفترة الماضية.
رابعًا: تقلبات القرن الإفريقي بين الحرب والسلام
القرن الإفريقي، كعادته، لا يعيش حالة استقرار دائم، فهو إقليم يتسم بتقلباته المستمرة بين فترات الحرب والسلام. تتغير التحالفات والسياسات فيه باستمرار، مما يعكس الطبيعة المضطربة للمنطقة. ويرى المراقبون أن زيارة الرئيس الصومالي إلى إثيوبيا تجسد هذه السمة الأساسية: لا حرب دائمة ولا سلام دائم، بل مشهد سياسي متقلب يتأثر بالعوامل الإقليمية والدولية.
على سبيل المثال، اليوم نشهد تقاربًا بين الصومال وإثيوبيا، رغم أنهما كانتا على شفا مواجهة العام الماضي. وبالمثل، كانت العلاقات بين إثيوبيا وإريتريا في أفضل حالاتها قبل عدة سنوات، حيث شهد البلدان تطورًا ملحوظًا عقب توقيع اتفاق السلام عام 2018، الذي أنهى صراعًا استمر لعقدين. ومع ذلك، تراجعت هذه العلاقات مؤخرًا نتيجة خلافات سياسية وتضارب في المصالح، ما يعكس حالة التقلبات الدائمة التي تميز المشهد السياسي في القرن الإفريقي.
التحالفات الإقليمية في القرن الإفريقي تتغير بسرعة. حاليًا، هناك تحالف ثلاثي يضم الصومال ومصر وإريتريا، يُنظر إليه على أنه يمثل تحديًا لمصالح إثيوبيا. على الجانب الآخر، قبل عدة سنوات، كان هناك تحالف ثلاثي آخر ضم الصومال وإثيوبيا وإريتريا، وُجه أساسًا ضد جيبوتي ومصر.
هذا التغير المستمر في التحالفات والسياسات يعكس الطبيعة السياسية والأمنية غير المستقرة للقرن الإفريقي، حيث تلعب المصالح المتغيرة والتحولات الإقليمية دورًا رئيسيًا في صياغة المشهد
خامسًا: ريبة في الأوساط السياسية الصومالية
أثارت هذه الزيارة جدلًا داخليًا في الصومال، حيث عبر بعض السياسيين عن شكوكهم حيال نوايا إثيوبيا. تاريخيًا، تتهم إثيوبيا بعدم احترام القوانين والاتفاقيات الدولية، وتُعرف بتغليب مصالحها الخاصة على حساب علاقاتها مع جيرانها. يرى هؤلاء أن إثيوبيا ربما تسعى من خلال هذه الزيارة إلى تحقيق مكاسب تتعلق بموقعها الجغرافي وإمكانية الوصول إلى الموانئ البحرية الصومالية.
أكد المعارض الصومالي عبدالرحمن عبدالشكور أن الرئيس حسن شيخ محمود يواصل تقويض هيبة الدولة الصومالية بشكل تدريجي، محذرًا من المخاطر التي قد تهدد مصالح البلاد. ودعا الشعب الصومالي إلى ضرورة اليقظة والتصدي لما وصفه بالمؤامرات التي تهدف إلى إضعاف الصومال وتقويض استقراره السياسي.
سادسًا: انتصار دبلوماسي للصومال
على الجانب الآخر، يرى مسؤولو الحكومة الصومالية ومؤيدوه أن الزيارة تمثل انتصارًا دبلوماسيًا للصومال. فإثيوبيا، التي تعاني عزلة دبلوماسية وإقليمية، اضطرت لإعادة بناء علاقاتها مع الصومال لتخفيف الضغط الدولي. كما يُشار إلى أن إثيوبيا، بوصفها دولة حبيسة، بحاجة إلى الصومال لتحقيق طموحاتها التجارية والبحرية، وهو ما دفع رئيس وزرائها آبي أحمد إلى البحث عن مسار تصالحي مع الصومال، قائم على التعاون المشترك.
أكد وزير الخارجية الصومالي أحمد معلم فقي أن الجهود والمفاوضات الدبلوماسية التي قادها الرئيس حسن شيخ محمود خلال العام الماضي أسفرت عن تغيير كبير في طريقة تعامل المجتمع الدولي مع الصومال، مشيرًا إلى أن النظرة العالمية تجاه الصومال قد تغيرت، وتم إنهاء التعامل بازدراء أو تجاهل، وهو ما كان يحدث في الماضي.
وأضاف الوزير أن هذا التغيير أدى إلى تحقيق احترام متبادل بين الدول، حيث أصبح كل بلد يحترم شؤون الآخر الداخلية. وشدد على أن أي تعاون بين الدول يتم الآن عبر القنوات القانونية، مما يُعد إنجازًا دبلوماسيًا كبيرًا.
سابعًا: تفعيل إعلان أنقرة
ترتبط الزيارة أيضًا بتفعيل إعلان أنقرة، الذي أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في 11 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، عن توصل الصومال وإثيوبيا إلى “اتفاق تاريخي” لنبذ خلافاتهما. ووفق الاتفاق، سيعمل البلدان معًا من أجل إبرام اتفاقيات تجارية للسماح لإثيوبيا “بالوصول الموثوق والآمن والمستدام من وإلى البحر” تحت السلطة السيادية لجمهورية الصومال الفدرالية.
وتحقيقًا لهذه الغاية، وبتسهيلات من تركيا، سيبدأ البلدان قبل نهاية فبراير/شباط 2025 مفاوضات فنية تستغرق على الأكثر 4 أشهر.
تركيا، من خلال هذا الإعلان، تسعى لتعزيز دورها كفاعل رئيسي في القرن الإفريقي، وترسيخ نفوذها في منطقة تشهد تنافسًا دوليًا متزايدًا.