بقلم: محمد الصياد
أعطى الرئيس الأمريكي جو بايدن موافقته على طلب وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) لإرسال حوالي 500 جندي دفعة أولى الى الصومال بزعم مكافحة عمليات الارهاب التي تشنها حركة الشباب الصومالية. قرار إعادة غزو واحتلال الصومال استند الى نفس ذريعة جورج دبليو بوش، “الحرب على الإرهاب”. قرار ارسال القوات، جاء بعد مرور 24 ساعة فقط على انتخاب البرلمان الصومالي حسن شيخ محمود رئيساً جديدا للبلاد، أي يوم الأحد 15 مايو/أيار 2022.
السؤال: لماذا تراجعت واشنطن فجأة عن قرار سحب قواتها من الصومال مطلع 2021 بقرار من الرئيس السابق دونالد ترامب أواخر 2020، وقررت ارسال قوات النخبة الأمريكية من جديد الى الصومال على وجه السرعة؟
الوقائع التالية ربما تساعد على إجابة هذا السؤال الحائر والمثير للاستغراب.
في شهر فبراير/شباط الماضي، وقّع وزير البترول والموارد المعدنية الصومالي، عبد الرشيد محمد أحمد، وريتشارد أندرسون الرئيس التنفيذي لشركة الخطوط الساحلية “Coastline Exploration Ltd” الأمريكية، اتفاقية للتنقيب عن النفط والغاز في المياه الإقليمية الصومالية (Offshore exploration activities). هنا سوف نفتح قوس للتوضيح أن “اتفاقية المشاركة في الإنتاج” (Production sharing agreement) – وهذا هو مسمّاها الرسمي الذي حدد نطاق عملها (Scope of work)، والتفويض القانوني الممنوح للشركة المنفذة للمشروع“Mandate” وُقعت في مدينة إسطنبول التركية وليس في العاصمة الصومالية مقديشو، وهذا بحد ذاته مثار استفهام، ذلك برسم أن رئيس الشركة الأمريكية ريتشارد أندرسون، أكد في مقابلة أُجريت معه للتعرف على ملابسات الصفقة وما شابها من عيوب، أن شركته دفعت تكاليف الرحلات الجوية إلى اسطنبول ونفقات الإقامة في الفنادق نيابة عن أعضاء الوفد الصومالي الذي سافر إلى تركيا لتوقيع الاتفاقية.
لم يكد حبر التوقيع على الاتفاقية يجف، حتى أصدر كل من الرئيس الصومالي محمد عبد الله محمد المعروف باسم فرماجو، ورئيس الوزراء محمد حسين روبلي، بيانين منفصلين، لكنهما متطابقين (رغم الخلافات العميقة بين الرجلين)، رفضا فيهما الاتفاقية، مستخدِمَيْن تعبيراً قانونياً، وهو أن الصفقة “غير قانونية وباطلة” (Null and void)، كما جاء بالنص في البيانين؛ مستنديْن في ذلك إلى المرسوم الرئاسي الصادر بتاريخ 7 أغسطس/آب 2021، وتوجيهات مجلس الوزراء بهذا الشأن الصادرة في 6 ديسمبر/كانون الأول 2018 التي تحظر على جميع الوزارات والهيئات الحكومية توقيع اتفاقيات مع حكومات ومنظمات أجنبية قبل الانتهاء من الانتخابات البرلمانية، والتي أُجريت فيما بعد، وفاز فيها، كما صار معلوماً، بمنصب رئيس البلاد حسن شيخ محمد. كما أصدرت الحكومة تعليمات للنائب العام سليمان محمد محمود بالتحقيق في العقد واتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة.
الصفقة عبارة عن 7 اتفاقيات مشاركة في الإنتاج (Production Sharing Agreements – PSAs)، تنص على أن تقوم الشركة الأمريكية صاحبة امتياز التنقيب الحصري، وهي هنا شركة “Coastline Exploration Ltd”، بدفع ضريبة استغلال الملكية “Royalty income tax” (ملكية الأرض أو ملكية البحر)، للحكومة الصومالية نسبتها 5%، وأن تتقاسم الأرباح بينها وبين الحكومة الصومالية بنسبة 50% لكل طرف، وحق الطرف الأول (الحكومة الصومالية) في تحصيل ضريبة دخل نسبتها 30% على الأرباح التي تحققها الشركة الامريكية؛ وتمتد مدة العقد لـ30 عاماً.
ريتشارد أندرسون، رئيس الشركة اعتبر – بطبيعة الحال – أن الصفقة عادلة (Fair deal) لكن خبراء النفط الصوماليين كان لهم رأي مغاير تماماً. جمال قاسم مرسال، السكرتير الدائم السابق لوزارة البترول الصومالية، على سبيل المثال، يقول إن الاتفاقية غير عادلة. ويشرح ذلك بقوله “إن نسبة الضريبة الثابتة لاستغلال الملكية الخاصة بالنفط وقدرها 5%، وكذلك نسبة الضريبة الثابتة لاستغلال الملكية الخاصة بالغاز وقدرها 3%، ترفعان حصة الحكومة الى 59.8%”. لكن هذا الأمر يفترض سعراً عاليا ومضمونا للبرميل في السوق، فإذا هبط سعر البرميل إلى 70 دولارا، فإن حصة الحكومة ستقف حينها عند 50%. وأي سعر أقل من 70 دولارا، يعني خسارة الحكومة أموالا لصالح الشركة الأمريكية. وعند مستوى 60 دولارا للبرميل، تصبح حصة الحكومة الصومالية 42% فقط”. كما أن البارومترات (Variables) الرئيسية المستخدمة في نص الاتفاقية، مثل معدل الخصم (Discount rate)، وعامل ( R “R-factor” الذي يقيس نسبة الإيرادات التراكمية إلى التكاليف التراكمية”)، وسقف استرداد التكلفة “Cost recovery ceiling”، ومدة العقد (فترة امتياز التنقيب الممنوحة للشركة الأمريكية)، هي التي حددت موقف الحكومة من الصفقة. وهذا، حسب قوله، كافٍ للقول بأن الصفقة غير عادلة.
بقي أن نعلم أن الرئيس الصومالي الجديد حسن شيخ محمود الذي انتُخب رئيسا للصومال في جلسة خاصة للبرلمان الصومالي، لا تختلف ملابساتها عن ملابسات تصويت البرلمان الباكستاني قبل بضعة أيام، وتحديدا يوم الاثنين 11 أبريل/نيسان 2022، على خلع رئيس الوزراء المنتخب ديمقراطياً عمران خان وتنصيب شهباز شريف شقيق رئيس الوزراء الباكستاني السابق نواز شريف، الفار الى بريطانيا من ملاحقات القضاء الباكستاني بتهمة الفساد، حيث يدير من لندن أعماله التجارية والسياسية بتسهيل من السلطات البريطانية – أقول بقي أن نعلم أن الرئيس الصومالي الجديد حسن شيخ محمود سارع من فوره لتوجيه الشكر والثناء للرئيس الأمريكي جو بايدن، واصفا الولايات المتحدة بأنها “شريك موثوق في سعينا لتحقيق الاستقرار ومحاربة الإرهاب”، وذلك في تغريدة نشرها يوم الثلاثاء الماضي 17 من مايو/أيار 2022.
لقد ادرك عمران خان أن باكستان أضاعت عقودا من التنمية بسبب تبعيتها للولايات المتحدة، فقرر الابتعاد عن نموذج شايلوك للتنمية (في مسرحية شكسبير “تاجر البندقي “The Merchant of Venice”) ) لمؤسسيْه العتيديْن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، والتحول باتجاه نموذج التعاون التنموي الدولي الصيني الذي يعتمد على مقاربة تمويل المشاريع (Project financing approach)، والذي بفضله أصبح لدى الدول النامية لأول مرة بنية تحتية لائقة، من مطارات وموانئ ومستشفيات ومدارس ومنشآت رياضية وأخرى صناعية وخدمية. فكان أن استعانت واشنطن بنخبتها التي استثمرت فيها السي آي أيه على مدى سنوات، في الإطاحة بـ عمران خان وتنصيب دمية مطيعة تعمل بأوامرها مكانه. وهذا ما حدث على الأرجح في ترتيبات جلسة اختيار رئيس جديد للصومال، المزكّى من قبل البيت الأبيض، بعد أن ألغى الرئيس السابق ورئيس وزرائه صفقة التنقيب عن النفط والغاز في المياه الإقليمية الصومالية، التي حصلت على امتيازها الحصري، الشركة الأمريكية “Coastline Exploration Ltd”.
بحسب معهد الدراسات الأمنية الأفريقي، فإن الصومال تقف على أعتاب مرحلة لاكتشاف النفط والغاز في مياه البحر الصومالية. وقد أكدت المجسات السيزمية (عمليات المسح الزلزالي “seismic survey – ) وجود احتياطيات غزيرة من الغاز والنفط أسفل قاع البحر في المياه الإقليمية للصومال. أيضا، وزير البترول والموارد المعدنية الصومالي، عبد الرشيد محمد أحمد، الذي أبرم الاتفاقية مع شركة“Coastline Exploration Ltd”، كان قد أوضح في بيان في أعقاب توقيع الاتفاقية، بأن “البرامج الزلزالية التي تم الانتهاء منها مؤخرا تشير إلى أن لدى الصومال القدرة على أن تصبح دولة منتجة للنفط والغاز”.
المصدر : دنيا الوطن
============
ملاحظة : جميع المقالات والتحليلات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “موقع مقديشو الإخباري”