مقديشو/ نور جيدي/ الأناضول
وصل الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، الأحد إلى تركيا، ثاني محطاته الخارجية بعد الإمارات منذ توليه منصبه، في زيارة يرى محللون صوماليون أنها تحمل أبعادا إنسانية واقتصادية وعسكرية، في ظل أزمة جفاف تعد الأشد منذ عقود تشهدها الصومال إلى جانب التحديات الاقتصادية والأمنية.
يحاول الرئيس الصومالي من خلال زيارته إلى تركيا، البحث عن دعم إنساني تركي لتجاوز الأزمة الإنسانية الراهنة التي تضرب البلاد، في ظل تراجع الدعم والمساندة الدولية.
الملف الأمني هو الآخر لا يقل شأنا عن الوضع الإنساني، فشيخ محمود يسعى لكسر شوكة حركة “الشباب” المسلحة التي لا تزال تعرقل جهود استقرار البلاد، وفق المحللين.
هذا إلى جانب الملف الاقتصادي، حيث ينتظر تحريك المشاريع وعشرات الاتفاقيات المبرمة بين البلدين، ناهيك عن ملف المفاوضات بين مقديشو وإقليم صومالي لاند (ذاتي الحكم/ شمال)، المتوقفة.
وفي 16 مايو/أيار الماضي، انتخب البرلمان الصومالي شيخ محمود رئيسا للبلاد لولاية ثانية، بعدما قاد البلاد سابقا بين سبتمبر/أيلول 2012، و16 فبراير/شباط 2017.
** الدعم الإنساني
بدأت ولاية شيخ محمود الثانية في وقت يشهد الصومال أزمة إنسانية حادة نتيجة جفاف ضرب معظم مناطق البلاد للعام الثالث تواليا، ليواجه نحو 7 ملايين شخص أزمة نقص الغذاء، فيما شرد الجفاف 300 ألف آخرين من مناطقهم، إلى جانب نفوق نحو 3 ملايين رأس من الماشية منذ منتصف 2021.
أزمة دفعت الرئيس ولأول مرة إلى تعيين مبعوث خاص للشؤون الإنسانية في محاولة لتعزيز الجهود الحكومية لدعم المتضررين من الجفاف.
وفي حديث للأناضول، قال الناشط الإنساني عبد الله نور، إن “الرئيس أبدى اهتمامه الكبير بالحد من أزمة الجفاف التي تشهدها البلاد، وزيارته لتركيا ستُطرح على طاولة المفاوضات أمام الجانب التركي من أجل إيجاد الدعم”.
وأوضح المتحدث أن “تركيا لديها خبرة في مواجهة الأزمات البيئية كأزمة الجفاف التي تعيشها الصومال، نظرا لتعاملها وإنقاذ حياة آلاف الصوماليين في أزمة المجاعة التي حدثت عام 2011”.
وأفاد بأن “الرئيس الصومالي سيجد دعما إنسانيا في تركيا لانتشال ملايين الصوماليين من ويلات الجفاف”.
وذكر أن “دولة في حجم تركيا قادرة على سد الفراغ الذي كان يسده المجتمع الدولي لدعم الصومال، وإيصال مساعدات إنسانية للمتضررين من الجفاف لتخفيف وطأة معاناتهم”.
** الحل العسكري
“تثبيت أمن الصومال ودحر الإرهابيين” كانتا ضمن وعود الرئيس شيخ محمود خلال حملة الانتخابات.
وذكر الرئيس في مقابلة سابقة مع الأناضول، أن ملف الأمن يأتي ضمن أولوياته، مردفا أن “الصومال لم ينجح في حل مشاكله الأمنية رغم كل الخطوات لتحقيق ذلك”.
ويقول الخبير العسكري المتقاعد شريف حسين، للأناضول، إن “معضلة الأمن مشكلة أعاقت جميع الحكومات المتعاقبة، حيث لا يمكن إنجاز أي مشروع وطني دون استباب الأمن، وهو ما يجعل هذا الملف ضمن أولويات الإدارة الحالية”.
وذكر المتحدث أن للصومال وتركيا “تعاون أمني منذ 2017، لكنه يقتصر على التدريب العسكري وتأهيل الجيش، وما يسعى إليه الرئيس حسن هو توسيع دائرة التعاون الأمني بين البلدين”.
وأفاد بأن “الرئيس الصومالي بحاجة إلى تعاون عسكري لدحر مقاتلي حركة الشباب التي استعادت نفوذها بعد تراجع العمليات العسكرية ضدها في السنوات الماضية”.
كما لفت الخبير العسكري، أن “تركيا من بين الدول الرائدة لصناعة الأسلحة الحديثة وبإمكانها تعزيز دعمها العسكري بما يرجح كفة الجيش الصومالي في ميادين القتال”.
وتوقع أن يوجه “حسن شيخ ضربة عسكرية لحركة الشباب ويحقق مكاسب أمنية خلال ولايته، كونه يحظى بثقة الكثير من الدول الداعمة للصومال بما فيها الولايات المتحدة وتركيا”.
** تحريك الاتفاقيات المشتركة
يرى محللون، أن زيارة الرئيس الصومالي إلى تركيا ستحرك المشاريع وعشرات الاتفاقيات الموقعة سابقا بين البلدين ولم تر النور، وذلك لتنويع مصادر الدخل وخلق فرص عمل بالصومال، حيث يتجاوز معدل البطالة 75 بالمئة.
يتوقع محمد أبتدون، الباحث في “مركز الصومال للدراسات”، أن “تتضمن زيارة الرئيس إلى تركيا اتفاقيات اقتصادية جديدة، فضلا عن أخرى تشمل المجالات التنموية، ودعم الصومال من خلال توفير مشاريع تركية جديدة”.
وأضاف للأناضول: “يأمل الجانب الصومالي، أن تقف تركيا إلى جانبه لتجاوز محنته الإنسانية والأمنية التي يعيش فيها منذ فترة”.
وتابع: “بحكم العلاقات التركية الصومالية المتينة في السنوات الأخيرة، يتوقع أن تنفذ تركيا في المرحلة القادمة مشاريع إنمائية جديدة، والتعاون مع مقديشو في المجالات الأمنية والاقتصادية”.
واستطرد: “شركات تركية تدير اليوم مقار حساسة في الصومال، مثل الميناء والمطار، إلى جانب تولي مهمة توفير التدريبات العسكرية للجنود والقوات الصومالية”.
** إقليم صومالي لاند
تعد قضية إقليم صومالي لاند من الملفات التي ينتظر من الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، تحريكها بعد سنوات من الجمود.
وقال سفير أنقرة لدى مقديشو محمد يلماز، في مقابلة سابقة مع الأناضول، إن “تركيا مستعدة للعب دور الوسيط بين الصومال وصومالي لاند، لتقريب وجهات النظر بين الجانبين وهو ما يعكس مدى جدية تركيا لتحريك هذا الملف”.
ويقول محمد عبدي شيخ، الصحفي والمحلل السياسي، إن “ملف صومالي لاند يعد من المعضلات السياسية التي تشهدها الصومال منذ عقود”، مشيرا أن “الإدارة الصومالية السابقة لم تتعامل بجدية مع هذا الملف وهو ما عطل استمرار المفاوضات بين الجانبين”.
وزاد: “بحكم تركيا راعية لهذه المفاوضات في السنوات الماضية يتوقع من الرئيس الصومالي الجلوس في طاولة المفاوضات وتبديد مخاوف أشقائه صومالي لاند للوصول إلى حل يرضى الطرفين، من خلال تعاونه مع الجانب التركي”.
ومنذ عام 1991، يتمتع إقليم صومالي لاند بحكم ذاتي، ويطالب باعتراف دولي بانفصاله الكامل عن الصومال، لكنه حتى الآن غير معترف به رسميا كدولة.