إعداد: الباحث الأستاذ عبدالله عبدي عمر (*)
المقدمة:
من المعروف أن العرف هو أول وأقدم المصادر القانونية عل الإطلاق,فالعرف هو كان يحكم الجماعة البشرية طوال الحقبة السابقة على معرفة الإنسان للكتابة بل إن القواعد القانونية المكتوبة التي ظهرت فيما بعد لم تكن في الواقع إلاتدوينا لما استقر ت عليه العادات والتقاليد المرعية في ذلك الوقت. وبالرغم من أن حركة تدوين القواعد الدستورية قد شملت سائر أرجاء المعمورة ابتداء من أواخر القرن الثامن عشر فإن العرف لايزال يلعب دورا مهما في تكوين البناء الدستوري للدول الحديثة.
تتمثل مشكلة البحث في أهمية العرف الدستوري في الدول ذات الدساتير المدونة، وكذلك القيمة القانونية للعرف الدستوري سواء كان منها العرف المفسر أوالعرف المكمل أو العرف المعدل، لأن معظم الدول قوانينها مدونة ومكتوبة,أما بالنسبة للدول ذات الدساتير العرفية فلاتثير أىة مشكلة هناك.
يهدف هذا البحث إلى بيان مفهوم العرف الدستوري وأركانه، ودور العرف الدستوري في البلاد ذات الدساتير المدونة وكذلك القيمة القانونية للعرف الدستوري سواء كان العرف المفسر والعرف المكمل أخيرا العرف المعدل.
كان للعرف أهميته البالغة قبل القوانين المكتوبة,أما الآن فقد أصبح في القوانين الوضعية في المرتبة الثانية بعد القانون المكتوب,ومع ذلك فما زالت له أهمية في القانون الدولى وفي القوانين التجارية وعموما فقد أصبح القانون المكتوب يحتل المركز الأول في معظم دول العالم أما إنجلترا وغيرها من الدول ذات الدساتير غير المكتوبة، فإن العرف بالنسبة لها يعتبر المصدر الأول.
تم الإعتما على المنهج الوصفي التحليلى حيث تم الاتباع على هذا المنهج من خلال مراجعة الأدبيات المتاحة من كتب ومجلات وبحوث مختلفة بهذف الإحاطة الكاملة بالناحية النظرية لموضوع البحث
يتحدد حدود هذا البحث من خلال توضيح العرف الدستوري وأهميته وكذلك أركانه والدور الذى يعمل في الدول ذات الدساتير المدونة,وكذلك الفرق بين العرف الدستوري والدستور العرفي وأخيرا القيمة القانونية للعرف الدستوري.
وأخيرا نتبع في كتابة المقال بتقسيمهه إلى مقدمة ومحورين,حيث نتحدث في المحور الأول مفهوم العرف الدستوري,وأركانه. أماالمحور الثانى فنتطرق إلى دور العرف الدستوري في البلاد ذات الدساتير المدونة.
المحور الأول: مفهوم العرف الدستوري وأركانه
الفرع الأول: تعريف العرف الدستوري
أولا: تعريف العرف
المقصود بالعرف هو:إعتياد الناس على نوع معين من السلوك مع الاعتقاد بأنه ملزم,وأن مخالفته تستتبع توقيع جزاء مادى جبرا على من يخالفه (1 ). أو هو مجموعة القواعد السلوكية غير المكتوبة التيتعارف الناس عليها في مجتمع معين في زمان معين, ويتواتر العمل بها بينهم إلى الحد الذى تولد لديهم الاعتقاد بإلزامها(2).
ثانيا: تعريف الدستور:
هو مجموعة من القواعد التيتحدد شكل الدولة ونوع الحكومة,وكيفية تنظيم السلطات العامة في الدولة,من حيث تكوينها واختصاصاتها.(3).أو هو مجموعة القواعد التيتحدد شكل الدولة من حيث كونها ملكية أو جمهورية أو غيرذلك,وتبين السلطات القائمة على إدارة شئونها,وعلاقة هذه السلطات بعضها ببعض,وتبين الحقوق والواجبات الأساسية للأفراد في الدولة(4)
ثالثا: تعريف العرف الدستوري بحسب تركيبه:
العرف الدستوري هو :إطراد تصرف الهيئات الحاكمة في مسألة دستورية على نحو معين، فتنشأ من تكرار هذه التصرفات على مر الزمن قاعدة مكتوبة يكون لها إلزام القانون .فهى بذلك قواعد غير مقننة أى أنها ليست من صنع أو وضع المشرع وإنما هى مستمدة من أحكام العرف والقضاء.(5)
الفرع الثانى:أركان العرف الدستوري:
أولا:الركن المادى:
وهو ركن الاعتياد ومعناه إعتياد الناس على سلوك معين,ولكى تكتسب العادة صفة العرف يلزم أن تتصف بـ:
1) العموم: ومعناه أن تكون العادة قد انتشر السير على مقتضاها في الوسط الاجتماعى الذى نشأت فيه وأن ينصرف حكمها إلى الكافة دون أن تخص بشخص أو أشخاص معينين بذواتهم.
2) الإطراد: ومعناه أن يتبع الأفراد هذه العادة دون انقطاع أما إذا اتبعت حينا وتركت حينا آخر فإن ذلك يعنى أنها لم تكن مطردة ولامستقرة وم ثم لايتوافر عنصر الإطراد.
3) القدم: ومعناه أن تكون العادة قديمة أى نشأت واستقر السير على مقتضاها مدة طويلة حتى يمكن القول بتكون عنصر الاعتياد.وتقدير شرط القدم مسألة موضوعية متروكة أمرها للقضاء.
4) مشروعية العادة: ومعنى ذلك ألايكون الأمر الذى إعتاده الناس مخالفا للنظام العام والآداب في المجتمع أما العادة التيتتنافي مع الأسس الاجتماعية ,والأخلاق فإنها لاترتقى أبدا إلى مرتبة العرف.(6)
ثانيا:الركن المعنوى(عقيدة الإلزام) :
حتى ترقى العادة فتكون قاعدة عرفية لابد –إضافة إلى الركن المادى- أن تستقر في ضمير الجماعة إلى حد شعورهم بإلزامها ووجوب اتباعها وإلاتعرضوا للجزاء.فإن لم تكن كذلك كانت مجرد عادة وليست عرفا كعادة المجاملات والهدايا في المناسبات فرغم عموميتها وقدمها واطراد الناس عليها وعدم مخالفتها للنظام والآداب، أي رغم توافر كل مقومات الركن المادى في العرف لها، إلا أنها لاترقى أن تكون عرفا لعدم توافر الركن المعنوى لها إذ لم تستقر في ضمير الجماعة إلى الحد الذى يولد لديهم الشعور بإلزامها وإلاتعرضوا للجزاء، فهذا هو الركن الذى يميز العرف عن العادة (7)
الفرق بين العرف الدستوري والدستور العرفي:
1) الدستور العرفي هو:عبارة عن “مجموعة القواعد الناشئة عن العادات والأعراف والتقاليد والسوابق التيلم تدون بعد في وثيقة مكتوبة وهو خاص بالدول التيلا يوجد بها دساتير مكتوبة كانجلترا مثلا.
2) أما العرف الدستوري فهو: “محموعة من القواعد الناشئة عن العادات والتقاليد والسوابق في ظل دستور مكتوب ويكون لهذه القواعد دورا مفسرا أومكملا أومعدلا فهو إذن يوجد في بلاد ذات الدساتبر المكتوبة.(8)
المحور الثاني: دور العرف الدستوري في البلاد ذات الدساتير مدونة
الفرع الأول:العرف الدستوري المفسر
يقوم العرف الدستوري إلى جانب الوثيقة الدستورية القائمة بتفسير نص أو نصوص غامضة في هذه الوثيقة.وقد يقوم بتنظيم مسألة من المسائل التي أغفلت الوثيقة الدستورية تنظيمها، فهو بذلك يكمل نقصها.وقد يذهب إلى أبعد من ذلك عندما يتولى تعديل نصوص في هذه الوثيقة,وتبعا لذلك يتنوع العرف الدستوري إلى عرف مفسر وعرف مكمل وعرف معدل. (9)
أولا:مفهوم العرف الدستوري المفسر
ينشأ هذا العرف عندما يعتري نص من نصوص الوثيقة الدستورية غموض يتطلب التفسير والتوضيح من أجل التطبيق السليم. قيقوم العرف الدستوري المفسر بهذا الدور.فهو في هذه الحالة لا ينشئ قاعدة قانونية جديدة. ولايقضى بأمور مغايرة لأحكام النص الدستوري وإنما يقتصر دوره على تفسير وتوضيح ما هو قائم. (10)
ثانيا:القيمة القانونية للعرف المفسر
يعترف الفقه الدستوري بالقيمة القانونية للعرف الدستوري المفسر، ويرى أن هذا النوع من أنواع العرف يعتبر جزءا من الدستور المدون الذي يفسره، ويكون له ذات القيمة القانونية التي تكون لهذا الدستور. وسبب ذلك أن العرف المفسر لا يخالف نصوص الدستور ولايعدل في أحكامه بالإضافة أو بالحذف فهو لا ينشئ قاعدة دستورية جديدة بل يرتكز على النص الدستوري المدون مفسرا وموضحا إياه فهو إذن مرتبط به تابع له، فيكون له بالتالى ذات القيمة القانونية للنص الدستوري الذي قام بتفسيره.(11)
الفرع الثانى:العرف المكمل
أولا:مفهوم العرف المكمل
العرف المكمل هو الذي ينظم مسائل سكت عنها الدستور المكتوب,فتنشأ قاعدة عرفية تكمل هذا النص,لأنه يفترض وجود قصور أو نقص في الأحكام الواردة في الوثيقة الدستورية، وذلك بسكوت الدستوري عن تنظيم موضوع معين من الموضوعات الدستورية، فيتدخل العرف وينشئ حكما جديدا يسد به أوجه النقص أو الفراغ الذي تركه المشرع الدستوري.
وبهذا يختلف” العرف الدستوري المكمل” عن” العرف الدستوري المفسر”,فإذا كان العرف المفسر يقتصر على تفسير ما غمض من نصوص الدستور وأحكامه، أي أنه يستند على نصوص دستورية قائمة يفسرها ويوضح ما يشوب من غموض وإبهام، فإن العرف المكمل على خلاف ذلك ينشئ حكما جديدا يكمل به النقص الذى اعترى الدستور، فهو يعالج موضوعا معينا يتصل بنظام الحكم في الدولة أغفل المشرع الدستوري تنظيمه ومن ثم فإنه لايستند إلى نص قائم أو موجود في صلب الوثيقة ا لدستورية.
ثانيا:القيمة القانونية للعرف المكمل:
لئن اتفق الفقه الدستوري بشأن القيمة القانونية للعرف المفسر,واعترف له بقوة قانونية تعادل قوة النصوص الدستورية ذاتها، إلا أنه اختلف بعض الشئ بخصوص القيمة القانونية للعرف الدستوري المكمل. فغالبية رجال الفقه الدستوري يلحق العرف المكمل بالعرف المفسر، ويخضعونهما لنفس الأحكام من حيث الاعتراف لكل منهما بقوة النصوص الدستورية.
غير أن بعض الفقه الدستوري ينكر على العرف المكمل أن تكون له قوة النصوص الدستورية، إستنادا إلى أن المشرع لا يستطيع أن يضفي القوة الدستورية على تشريعاته في ظل دستور جامد، وإلا عد عمله مخالفا للدستور، ونظرا لكون العرف يمثل إرادة المشرع أو أحدي السلطات العامة فإنه يبقى في مرتبة التشريع العادى ولا يرقى إلى مرتبة الدستور الموضوع من قبل السلطة التأسيسية. (12)
الفرع الثالث:العرف المعدل
أولا: مفهوم العرف المعدل
يقصد بالعرف الدستوري المعدل ذلك العرف الذي يهدف إلى تعديل أحكام الوثيقة الدستورية، وذلك بإضافة أحكام جديدة إليها أو حذف أحكام معينة منها.
وقد جرت العادة لدى غالبية الفقه الدستوري على التمييز بين نوعين من العرف المعدل وذلك تبعا للدور الذي يقوم به تجاه نصوص الدستور المكتوب وهذان النوعان هما: العرف المعدل بالإضافة والعرف المعدل بالحذف.
ثانيا:القيمة القانونية للعرف المعدل
اختلف رجال الفقه الدستوري حول مشروعية العرف المعدل,والقوة التييتمتع بها هذا العرف إزاء النصوص الدستورية,وتشعبت آراؤهم إلى ثلاثة إتجاهات.
الاتجاه الأول: يرى أنصاره عدم مشروعية العرف المعدل وبالتالي عدم تمتعه بأي قيمة قانونية على أساس أن العرف لا يستطيع تعديل نصوص الدستور المكتوب وخاصة الدستور الجامد الذي لايتم تعديله إلا بواسطة الجهة التي أناط بها الدستور القيام بذلك وضمن الشروط والإجراءات والأصول الواجب اتباعها لتعديل أحكام الدستور.
الاتجاه الثاني : يقر أنصاره بمشروعية العرف المعدل وذلك على أساس أن هذا العرف ليس إلا تعبيرا مباشرا عن إرادة الأمة وضميرها وما دامت السيادة للأمة فهي تعتبر السلطة التأسيسية العليا وبالتالي يكون في مقدورها أن تعدل في نصوص الدستور متى أرادت.
الاتجاه الثالث: يميل أنصاره إلى التفرقة بين العرف المعدل بالإضافة والعرف المعدل بالحذف فيعترفون بمشروعية الأول ويلحقونه بالعرف المكمل ويعطون حكمه أي قوة النصوص الدستورية ذاتها ويتنكرون لمشروعية الثانى أي العرف المعدل بالحذف ويحرضونه من قيمة قانونية. (13)
المصادر والمراجع:
- الوجيز في مدخل القانون لدكتور محمد بن حين الشامي ص:124
- المدخل لدراسة القانون لدكتور مجدي حسن خليل ودكتور الشهابي الشرقاوي ص:134
- المرجع السابق نفسه
- المدخل لدراسة القانون لدكتور مجدي ودكتور الشهابي ص:69
- القانون الدستوري لدكتورة مليكة الصروخ ص:95
- مرجع سابق ص:124وما بعدها
- المدخل لدراسة القانون مجدي خليل والشهابي ص:137 ومابعدها
- مرجع سابق
- القانون الدستوري لدكتورة مليكة ص:114.
- مرجع سابق
- القانون الدستوري والنظم السياسية لدكتور حسن البحري ص:79
- مرجع سابق
- القانون الدستوري والنظم السياسية لدكتور حسن البحري ص:81 ومابعده
=====================
(*) الأستاد:عبدالله عبدى عمر باحث في الشؤون القانونية والشريعة ومحاضر في الجامعات العاصمة الصومالية مقديشو ويحضر حاليا الدكتوراة في القانون وحصل علي ماجسيتر في القضاء والسياسة الشرعية للتواصل : البريد الإلكتروني : qadhyan@gmail.com والمحمول : 252615937711+