مقديشو/ نور جيدي/ الأناضول
الأمن والاقتصاد والمصالحة، ملفات حساسة أعاقت عمل حكومات صومالية سابقة، باتت الآن تنتظر رئيس الوزراء الجديد حمزة عبدي بري، في مشواره بعد أن ينجح أولاً بتشكيل حكومة توافقية تحظى بثقة البرلمان.
ومنذ انهيار الحكومة المركزية في الصومال عام 1991، شهد الصومال تعيين نحو 15 رئيساً للوزراء، لم يكمل أي منهم فترة ولايته كاملة (4 سنوات) بسبب الخلافات السياسية بين رئيس الدولة ورئيس وزرائه.
وينتظر الصوماليون أن تنتهي هذه الأزمة في عهد الحكومة المقبلة لأنها أعاقت عمل جميع الحكومات السابقة وقادت البلاد إلى حالة من عدم الاستقرار السياسي، ما يهدد بتفاقم بقية أزمات البلاد وعلى رأسها حل مشكلة الجفاف والأمن وتحقيق الانعاش الاقتصادي.
تشكيل حكومة توافقية
أمام رئيس الوزراء الجديد، حمزة عبدي بري، 30 يوما لتشكيل حكومة توافقية، لكن التحدي الأكبر هو نوعية الحكومة التي سيشكلها في ظل الهيمنة المفرطة لأعضاء البرلمان على الحكومات السابقة حيث كان 80 بالمئة من أعضائها يأتون من نواب البرلمان.
ويقول محمد آمين، النائب السابق للأناضول، إن “رئيس الوزراء الجديد سيواجه مشكلة في تشكيل حكومة توافقية ترضي جميع الأطراف في ظل التحالفات السياسية التي شهدت الانتخابات التي فاز فيها الرئيس الحالي حسن شيخ محمود”.
وأضاف آمين، أن رئيس الحكومة سيبدأ مشاورات مكثفة مع الرئيس والأطراف المعنية في الأيام المقبلة، متوقعا تشكيل حكومة نسبية يأتي أعضائها من قبة البرلمان وخارجها كما كان العرف السياسي في البلاد وهي خطوة قد تمكن حكومته من الحصول على ثقة البرلمان.
وحول تشكيل حكومة تكنوقراط يأتي جميع أعضائها من خارج البرلمان، قال آمين، إن “الوضع السياسي لا يسمح بذلك، لأن الرئيس ليس لديه أغلبية في البرلمان وعليه تشكيل تحالفات من الأطراف الأخرى لنيل حكومة بري ثقة البرلمان”.
وحسب مراقبين، فإن حكومة تكنوقراط ستكون أكثر كفاءة وفعالية من الحكومات التي يشكل معظم أعضائها من نواب البرلمان نظرا لضعف انجازات الحكومات السابقة.
وتعهد رئيس الوزراء الصومالي أمام البرلمان بأن حكومة المقبلة ستكون على مستوى تطلعات الشعب الصومالي الذي يعاني من أزمات سياسية وأمنية.
استقرار سياسي
“صومالي متصالح مع نفسه ومع العالم” شعار رفعه الرئيس الحالي، خلال الانتخابات التي فاز بها في إشارة ضمنية لتحقيق استقرار سياسي داخلي، وهو ما يتوقع من رئيس الحكومة الجديد تنفيذه بعد نحو عامين شهدت فيها البلاد حالة من عدم الاستقرار السياسي.
وقال محمد عبدي، وهو صحفي ومحلل سياسي في مركز الصومال للدراسات، للأناضول، إن “أول مطلب من الحكومة المقبلة هو تحقيق استقرار سياسي في الجبهة الداخلية بعد أن عانى البلد من توترات سياسية سابقا”.
وأضاف عبدي، أن “التوافق بين رئيس الوزراء ورئيس البلاد في القضايا السياسية والأمنية سيمهد الطريق لدخول البلاد في مرحلة من الاستقرار السياسي، وهو ما يؤثر إيجاباً على إنجازات الحكومة المقبلة”.
وتابع أن “خلق جو من الثقة بين الحكومة والولايات الفيدرالية تأتي ضمن محققات الاستقرار السياسي في البلاد بعد أن توسعت هوة الخلافات بين نظام الرئيس السابق محمد عبد الله فرماجو ورؤساء الولايات الفيدرالية وهو أدى إلى تأجيل الانتخابات أكثر من 5 مرات”.
وذكر أن “الجبهة الداخلية مليئة بالتوترات السياسية نتيجة السياسات التصعيدية التي كان ينتهجها النظام السابق في البلاد، والتي تمثلت في استهداف المعارضة السياسية واستخدام الجيش في القضايا السياسية”.
وأشار إلى أن الحكومة المقبلة ينتظر منها من أن تسير على نهج سياسي أكثر استقرارا للتعامل مع الوضع السياسي والأمني الحالي.
وكان رئيس الوزراء الجديد، قد تعهد أمام البرلمان، الأسبوع الماضي، بأن حكومته ستعطي الأولوية في تحقيق الاستقرار السياسي، تنفيذا لشعار الرئيس الصومالي “صومال متصالح مع نفسه ومع العالم”.
وبات الخلاف بين رئيس البلاد ورئيس وزرائه مشهدا متكررا في الساحة السياسية الصومالية نتيجة عدم استكمال الدستور المؤقت في البلاد والذي لا يفصل بين صلاحيات بين المؤسسات التشريعية والتنفيذية في البلاد.
التحدي الأمني
الأمن هو التحدي الأكبر الذي ستواجه الحكومة المقبلة، في ظل تنامي نفوذ حركة الشباب الصومالية بسبب تراجع العمليات الأمنية المشتركة (الحكومية والإفريقية) ضدها في الأقاليم جنوب ووسط الصومال.
وفي هذا الشأن، يقول النائب محمد آدم للأناضول، إن “تقليص نفوذ الحركة وأنشطتها في البلاد وخاصة في الأقاليم المحيطة بالعاصمة مقديشو يتطلب تنسيقا أمنيا مكتمل الأركان بين المؤسسات الأمنية في الحكومة والولايات الفيدرالية على خلاف الفترة السابقة.
وأضاف آدم، أن “تراجع العمليات العسكرية الحكومية في الفترة الماضية، أعطت حركة الشباب فرصة لملمة نفوذها العسكري في بعض القرى والبلدات جنوب ووسط الصومال وهو ما مكنها من تنفيذ تفجيرات دامية داخل المدن الكبرى بما فيها العاصمة مقديشو”.
وشدد على أن الحكومة الصومالية بحاجة إلى إطلاق عمليات أمنية لرد الخطر الأمني المحتمل من قبل حركة الشباب.
كما أن إعادة تأهيل الجيش وتسليحه إلى جانب رفع مستويات التنسيق بين القوات الحكومية والإفريقية عوامل قد تساهم في دحر نفوذ حركة الشباب المتغلغلة في القرى والبلدات جنوب ووسط الصومال، بحسب المحلل السياسي عبدي.
ويراهن بعض المحللين على أن عودة الوحدات الأمريكية بعد انسحابها من الصومال في ديسمبر/ كانون الأول 2020، ستعزز مساعي الحكومة الصومالية لدحر الإرهابيين في أقاليم جنوبي ووسط الصومال.
وانخفضت الغارات الجوية التي تنفذها القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا “أفريكوم” ضد أهداف مقاتلي الشباب في الأٌقاليم الصومالية منذ ديسمبر 2020، الأمر الذي شجع مقاتلي الشباب على تنفيذ هجمات نوعية ضد مراكز عسكرية حكومية وأفريقية جنوبي البلاد.
الاقتصاد
أما فيما يخص ملف الاقتصاد فإنه يأتي ضمن الوعود الانتخابية التي قطعها الرئيس حسن شيخ محمود، والمتمثلة في تقليص نسبة البطالة خلال ولايته الممتدة لأربع سنوات.
وفي تصريحات سابقة، وصف شيخ محمود اقتصاد البلاد، بـ”الهش” خلال حملته الانتخابية، متعهدا ببناء أركان اقتصاد البلاد ورفع الدخل المحلي .
ويقول الصحفي محمد عبدي، إن “اقتصاد البلاد يمر في أصعب أوقاته نتيجة العوامل الخارجية والداخلية المتمثلة بالجفاف وفشل الانتاج المحلي”.
وأكد على ضرورة أن يعمل رئيس الحكومة على إنعاش اقتصاد البلاد من خلال تنويع مصادر الدخل ومحاربة الفساد المتفشي داخل المؤسسات الحكومية.
وأضاف أن “إعادة بناء اركان اقتصاد البلاد يحتاج إلى سياسة اقتصادية، ومواصلة جهود إعفاء الديون الخارجية المفروضة على البلاد، إلى جانب العمل على دعم المشاريع التنموية وخاصة الزراعية في ظل أزمة الجفاف العبء الأكبر على اقتصاد البلاد”.
وترتبط سياسة إعفاء الديون الخارجية بالحكومة الصومالية المقبلة حول مدى تعزيز الاطر المالية من خلال مكافحة الفساد داخل المؤسسات الحكومية إلى جانب تنويع مصادر دخلها التي تزيد من نمو انتاجها المحلي.
وتعهد الرئيس بإيصال البلاد إلى مرحلة الاكتفاء الاقتصادي واعتماد ميزانية الحكومة على الدخل المحلي، وهو ما ينتظر من رئيس الحكومة ترجمته بالفترة المقبلة.
ويعيش الاقتصاد الصومالي على وقع أزمات سياسية ومناخية سببت في تراجع الإنتاج الزراعي في البلاد ما أدى إلى تفشي التضخم وارتفاع البطالة إلى نسبة 71 بالمئة، حسب بيانات رسمية.
وتأثرت الأسواق المحلية بالجفاف حيث تراجعت بعض المحاصيل الزراعية، سيما الخضروات والذرة وسط الطلب المتزايد بالنسبة للمواطنين الذين يعانون من ضعف بالقدرة الشرائية.
وبحسب تقديرات محلية فإن السلع الغذائية والخضروات إلى جانب اللحوم سجلت ارتفاعا بنسبة 0.5 بالمئة من قيمتها الأصلية ما يشكل عبئا على الوضع المعيشي والاقتصادي بالنسبة للكثير من المواطنين.