مقديشو برس
بقلم: منير عبد الله الحاج عبده، باحث رقمي ومصلح اجتماعي
الصوماليون من أطيب الشعوب حيث لم تلوّثهم ثقافة المدن،وأوهام السفسطة، ولقد أراد المستعمر أن يغيّر ثقافتهم من اللغة والدّين ،فرفضوا وقاوموا وكان العلماء ساسة البلاد ويليهم السلاطين و زعماء القبائل، وإن كان من بينهم في ذاك الزمان من شرعن المستعمر وأفتي بجواز سلطته وناصره ضدّ إخوانه وذهب إلى مزبلة التاريخ ،وتلك صورة حية من صور أزمة المثقف أو المتعالم وعملاء الأجانب كمايقال ،وبعد أمد طويل رحل عنهم الاستعمار بلا رجعة، ،ولغة التواصل الصومالية،لا الإيطالية او الإنجليزية ومازالت الأمة بخير مع كل جهود التغريب والتنصير .
فالمشكلة من النخب السياسية التي تفتقد الوطنية وتستورد كل جديد ،فمثلا أراد الاشتراكيون بسط ثقافتهم المستوردة التي كانت تتناقض مع هوية الإنسان الصومالي فاصطدمت بجبال الفطرة السليمة ،وعروة الإسلام الوثيقة التي لا تنفصم، واستشهد العلماء الراقضون للقوانين المستوردة التي تنافي الكتاب والسنة ،فهم علماء الملة تقبل الله شهادتهم . واليوم في مجالس الحكومة الصومالية من يناصر النسوية والشذوذ من حيث بدري أولا يدري، ويعلن على الملإ بضرورية الانضمام إلى اتفاقيات دولية تصطدم بنصوص الشريعة الغراء،وحفظ الله السيد النائب مودي القائل أمام قبة البرلمان ” من يحب قو انين الكفار فليرحل إليهم فنحن مسلمون صوماليون لا غير”.
بعد انهيار الحكومة المركزية ،ظهر جيل الجبهات والجماعات إلى الصدارة ،حيث الأولى يقودها جنرال عسكري لا يعرف إلا لغة القتل والدمار والتجنيد باسم القبلية والعصبية، والأخيرة يرشدها عالم علامة يرفع شعار الحكم الرشيد والعدالة نظريا، ورفعوا شعارات براقة للشعب لتحسين أوضاعنا السياسية ، ولكل من الفريقين أتباع من الجماهير، وبعد وصولهم إلى السلطة تناحرت الجبهات وأصبح زعيم كلّ جبهة أمير حرب يهلك الحرث والنسل ،وانقسمت كلّ جبهة بإجنحة رباعية أو ثنائية تتصارع مع نفسها وتحصد أرواح الأتياع والأبرياء، وتخوض حربا بالوكالة مع أبناء بلدها، ويرجع الأستاذ حسن عبد الله ميغاخ “بأن المشكلة هي أجندة تأسيس الجبهات حيث لم تكن أكثرها وطنية”
أما الجماعات الإسلامية فصوملوا التنظيمات وكثر فيهم التدين المغشوش ونجحوا في التنظير وأخفقوا في التطبيق، فتفرقوا شذر مذر،وزادوا الطينة بله عندما حملوا السلاح، ووصلوا إلى سدّة الحكم فأصبح أصدقاء الأمس في المقاومة أعداء اليوم ،فلا الإسلام نصروا ، ولا الأعداء هزموا بل خدموا له من حيث لا يعقلون، ومن مشاهاداتي في مقديشو تعرفتُ يوما على مثقف ورجل أعمال من أعضاء الجماعة السلفية المشهورة عند خصومهم بالجديدية ، فدار بيننا الحوار الشيق ،والمعروف أنّ من أدبياتهم الهجوم على الجماعات الإسلامية،والطاعة العمياء للسلطات أيّاكان لون الحاكم،
فقال : هل الإسلاميون بعد ما وصلوا الحكم طبقوا الشريعة الإسلامية بعد ما أراقواكلّ الدماء وساهموا في إطاحة الحكومة المركزية مرة ، ومع زعماء الجبهات تارة اخرى؟ ومع الحكومات الانتقالية بعد عرتا ؟
فقلتُ: مصطلح تطبيق الشريعة الإسلامية يحتاج إلى تفصيل وتحرير و أمثلة حيّة من جوانب الحياة في المجتمع الصومالي بعد وقبل وصول الإسلاميين إلى القصر الرئاسي، فاضرب لي مثالا حتى نواصل الحوار.
فقال: أكثر المواضيع المثارة من قبل الحركات الاسلامية المسلحة وغير المسلحة مسألة القوانين والدساتير، والحاكمية ، فهل بعد ماوصلو سدّة الحكم رؤساء ووزاراء وبرلمانين كانوا سابقا دعاة وقضاة غيرّوا الدساتير، وقاموا بتقنين الشريعة وتنفيد الأحكام الشرعية في المحاكم الفيدرالية وحتى الولائية ؟ أم الامور تسير كما كانت أيام الحكومات السابقة ، والقوم كان همّهم الكرسي والملك لا المبادئ وتطبيق الشريعة سيدي المستمع؟
قلتُ: صدقتَ فالمحاكم ما زالت القوانين المستورة من الإيطاليين سارية المفعول في بعض القضايا، وقد رأيتُ من ينتقد ذالك الأمر من العلماء غيركم يا سيدي.
قال :أدبياتنا الطاعة العمياء للحاكم مادام في القصر حتى نرى الكفر البواح، ودرء الفتنة مقدم من جلب المصالح، أم الجماعات الإسلامية الأخرى فهمّهم السلطة ومنازعة السلطان في حكمه، وإذا وصلو الحكم بجماجم الأتباع فلا يغيرون من الواقع شيئا وعدّ اسماء رؤساء ووزراء كانوا مشائخ وعلماء في الصومال فلما وصلوا السلطة تمرّدوا على شعاراتهم وخلفياتهم، وأصبحوا أكثر فسادا من غيرهم.
فقلت: وجماعتكم يقال انها صناعة مخابرات لضرب الإسلامين وتحسين صور الاستبداد والطغيان، وأكثر تعصبا من غيركم في الولاءات التنظيمية، وأشداء على الاسلاميين مع رضوخكم وتسامحكم مع العلمانيين، والطاغية.
فقال مغاضبا: كلّ ذلك افتراءات وإشاعات ،وللخصوم الحرية فيما يلقون من التّهم، وعندي كتاب قيد الطبع للمناقشة في أدبيات الجماعات الإسلامية بدأ من الإخوان والاعتصام والتبليغ، وآثاراهم المدمرة في المجتمع الإسلامي والصومالي، فلما نظرت إلى فهرس الكتاب استغربت وقضيت العجب مما قرأت، ولله في خلقة شؤون. 800 صفحة او يزيد للهجوم على الجماعة الفلانية والشيخ الفلاني ، وتعليق محاضرة، او تغليق على تعليق، وجلسات وردود علمية ,وعاطفية وكيت كيت وللناس فيما يعشقون مذاهب.
يقول الأديب المفكر عبد الواحد الشافعي في صفحته على الفيسبوك واصفا حال العالم الاسلامي والأوضاع السياسية المتردية في الصومال:” ضاع العالم الإسلامي بين علمانيين يرفعون لواء العلمانية، ولكنهم إذا تولّوا السلطة لا يقدرون على تطبيق قيمها الأساسية من الحرية، والعقلانية، وتحسين الحياة الدنيوية للمواطنين، وبين إسلاميين يرفعون راية الشريعة، فإذا وصلوا الى الحكم فشلوا في تنزيل مقاصد الشريعة من العدالة والرحمة على واقع حياة الناس. شعار بشعار، وراية براية، فمردّد بتأييد علمانية لا يدرك كنهها، وصارخ بشريعة يعجز عن تطببقها.
وبين هؤلاء وأولئك حار المواطن ومع تباين الشعارات المرفوعة واختلاف الرايات المنصوبه بين العلمانيين والاسلاميين؛ فإنهم متفقون على الغاية التي هي الاستئثار بالحكم والثروة، وتضييق الحريات، والتسلط على المواطنين، وإفراغ السياسة من مضمونها القيمي، وجعلها أداة للقمع والاضطهاد الخ” ,وأيم الله لقدصدق، فالشعب الصومالي بين مطرقة العلماني وسندان الاسلامي إن صح التعبير في اطلاق تلك الأسماء على المثقف المتصومل او السياسي الفاسد.
يتبع …