مقديشو / الشافعي أبتدون / العربي الجديد
أثار مقتل زعيم “القاعدة” أيمن الظواهري، بغارة جوية أميركية في كابول مطلع أغسطس/آب الحالي، تساؤلات في الصومال، حول تداعيات اغتياله على حركة “الشباب”، التي بايعت التنظيم في عام 2012 في تسجيل صوتي لقائدها أحمد عبدي غودني، الذي قُتل بغارة جوية أميركية، في عام 2014، جنوب الصومال.
وكانت “الشباب” قد تعرضت، بعد مبايعتها “القاعدة”، إلى انشقاقات، إذ أعلنت مجموعة قادها عبد القادر مؤمن في عام 2015، والتي تتخذ من جبال غلغلا في إقليم بونتلاند (شمال شرقي الصومال) مركز نفوذ عسكري وميداني لها، مبايعة تنظيم “داعش”.
وسبق ذلك انشقاق الرجل الثاني في “الشباب” مختار روبو (أبو منصور)، مع 500 مسلح، عن الحركة في 2013، وتمركزهم في منطقة أبل في إقليم باكول. وفي منتصف 2017 سلّم روبو نفسه إلى جهاز المخابرات والأمن الصومالي، مكرّساً انشقاقه عن “الشباب” رسمياً قبل أن يعين أخيراً وزيراً للشؤون الدينية في الحكومة الجديدة.
وبرأي مراقبين فإن مقتل الظواهري سيعمق جراح الحركة التي تعد من بين أقوى التنظيمات المسلحة المرتبطة بـ”القاعدة”. وكانت حركة “الشباب”، التي تأسست في مقديشو في عام 2004، قد شكلت جزءاً في “اتحاد المحاكم الإسلامية”، وتمكنت من هزيمة أمراء الحرب في أواخر 2005، إلا أنها عادت وتقهقرت في 2006، بعد معارك ضارية مع القوات الإثيوبية والجيش الصومالي من العاصمة ومعظم المدن الجنوبية. وقد أدى هذا الأمر إلى انشقاق الحركة عن “اتحاد المحاكم الإسلامية” في 2007، لتطلق بعدها حرباً على القوات الصومالية والإثيوبية.
“الشباب” حركة محلية
وقال الباحث في مركز الصومال للدراسات عبد الله سيدكا، لـ”العربي الجديد”، إن “الشباب” حركة محلية رغم أنها بايعت “القاعدة”، وتتبع منهج التنظيم وتأثرت بأيديولوجيته الجهادية والفكرية.
وأضاف: لهذا يمكن القول إن تأثير مقتل الظواهري لن يكون كبيراً، لأنها حركة محلية وتتمتع باستقلالية في إدارة شؤونها المالية والعسكرية. كما أن القياديين الأجانب فيها لا يحظون بتأثير كبير، إذ حرصت “الشباب” على المحافظة على ضمان وجودها واستقلاليتها رغم أنها تستفيد من أدبيات “القاعدة” في تغذية أفكار أنصارها.
واعتبر سيدكا أنه “من المحتمل أن تنفذ حركة الشباب هجمات عسكرية ضد أهداف محددة انتقاماً لمقتل الظواهري، وذلك بهدف درء تأثير اغتياله على صفوف عناصرها. هذا الأمر معروف بالنسبة للجماعات المسلحة العالمية التي لها ارتباط وثيق مع القاعدة”. وتوقع أن “تواجه حركة الشباب أزمة استقرار في المرحلة المقبلة، ما لم تقم بأنشطة عسكرية لرفع معنويات أتباعها في دول الجوار، أو حتى في الداخل الصومالي”.
تأثير اغتيال الظواهري على تماسك “الشباب”
من جهته، اعتبر الباحث في شؤون الحركات المسلحة مؤمن آدم، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “اغتيال الظواهري بلا شك سيؤثر على وحدة تماسك حركة الشباب، وأن غيابه سيزرع الشكوك داخلها”.
وأشار إلى أن “رحيله سيترك أثراً معنوياً كبيراً وسط أتباع الحركة، فعدم وجود قيادة في القاعدة سيترك فراغاً كبيراً بالنسبة لأفرعها في العالم. كما أن مسألة من سيخلف الظواهري ستحدد أيضاً مصير انتماء حركة الشباب إلى القاعدة، آجلاً أم عاجلاً”.
وقال إن “تنظيم القاعدة يعيش بعد رحيل أسامة بن لادن وأيمن الظواهري، اللذين كانا يقودان التنظيم بشكل جيد، مرحلة احتضار بعد عقود من الحروب هنا وهناك”.
وتوقع آدم أن تحدث انشقاقات عميقة داخل “الشباب”، مشيراً إلى أن “فقدان الارتباط مع القاعدة سيؤدي إلى تقزيم مكانة الحركة في الداخل والخارج، لأن هناك خلافات فكرية ومنهجية في صفوف الجماعات المسلحة ذات الصبغة الأيديولوجية، ما يشرعن ظهور جماعات جديدة تنشق عن الحركة أو تسلم نفسها للحكومة الصومالية”.
وكان القيادي في الحركة حسن طاهر أويس قد سلم نفسه إلى الحكومة الصومالية في 2015، إذ لا يزال محتجزاً لدى المخابرات الصومالية في العاصمة.
تحديد العلاقة بعد إعلان خليفة الظواهري
من جهته، قال مدير جهاز المخابرات والأمن الصومالي الأسبق عبد الرحمن توريري (2014-2017)، لـ”العربي الجديد”، إن “علاقة حركة الشباب مع القاعدة ستتحدد بعد إعلان خليفة الظواهري، إذ إن اختلاف إدارة التنظيم سيؤثر حتماً على الحركة”، لكنه توقع، في المقابل، “ألا يؤدي رحيل الظواهري إلى خلافات عميقة داخل الحركة، لأن قياداتها حالياً في حالة عزاء”.
ورأى توريري أن “الشباب” تعاني حالياً من “شيخوخة” مبكرة بعد مرور نحو 18 سنة على انطلاقتها. وقال: “لهذا تشهد الحركة الآن أكثر من أي وقت مضى أزمة قيادة، خصوصاً بعد التصفيات الداخلية. كما أن تعيين القيادي السابق في الحركة مختار روبو وزيراً للشؤون الدينية في الحكومة الجديدة سيؤثر سلباً على مستقبل حركة الشباب”.
مع العلم أن اغتيال زعيم الحركة، أحمد عبدي غودني، في 2014 بغارة جوية أميركية، جاء بعد صراعات فكرية وانقسامات عميقة داخل الحركة أدت إلى تصفية قياديين كبار داخلها، بينما أعلنت قيادات أخرى الانشقاق عنها أو الاستسلام للحكومة الصومالية. وفي عام 2015 أعلنت “الشباب” انتخاب أحمد عمر (أبو عبيدة) قائداً جديداً لها.
وحول مستقبل الحركة، رأى توريري أن “الشباب لن تبقى، في المدى المنظور، كقوة تنظيمية موحدة وذات قيادة واحدة، وقد تتحول إلى تنظيمات ومجموعات صغيرة”.
وأشار إلى أن “ما يعزز هذه الفرضية هو محاولة تسللها إلى الداخل الإثيوبي بحثاً عن أرضية جديدة لضمان وجودها في المنطقة، وذلك بعد انتشار الخلافات داخلها”.
واعتبر أن التطور الآخر الذي قد يهدد تماسك “الشباب” هو “فرض الدولة الصومالية أنظمة مالية صارمة لتجفيف منابع دخل الحركة”. وأشار إلى أن على الحركة أن تتكيف مع الوضع الميداني الجديد، خصوصاً مع الجهود الحكومية الرامية إلى تطوير جهاز المخابرات ورفع مستوى الكفاءة القتالية ضد الحركة.
يشار إلى أن “الشباب” استطاعت مطلع 2011 شن هجمات مباشرة على القوات الصومالية والأفريقية في العاصمة، وصلت إلى مرحلة اقترابها من القصر الرئاسي. إلا أن استمرار أمد الحرب أثر سلباً على مسلحي الحركة، ما أجبرهم على الانسحاب بشكل شبه كامل من العاصمة.