** مقال لوزير الدفاع الصومالي عبد القادر محمد نور:
شهدت الصومال التي كانت تُعَد مهد الديمقراطية في إفريقيا في الستينات، انتقالاً سلمياً للسلطات لا مثيل له في المنطقة في الانتخابات الأخيرة التي أُجريت في 15 مايو/ أيار 2022.
ودفعت المشكلات التي واكبت العملية الانتخابية المجتمع الدولي إلى الاعتقاد بأن الأوضاع ستتفاقم سوءاً، إلا أن نتائج الانتخابات أظهرت لكل العالم أن الصوماليين يريدون السلام لا النزاع.
وأهم مؤشر على هذا هو إعادة انتخاب حسن شيخ محمود الذي استخدم شعار “صومال متصالح مع نفسه ومتصالح مع العالم” رئيساً للجمهورية بنسبة 66.05 بالمئة من الأصوات.
فإعادة انتخاب شيخ محمود رئيساً للجمهورية مجدداً، يخلق فرصاً جديدة لتحقيق السلام والأمن والنهضة الاقتصادية في الصومال وفي شرق إفريقيا.
** حلول صومالية من أجل الصومال
اختار شيخ محمود البقاء في الصومال وأن يكون نافعاً للمجتمع من خلال الانخراط في أنشطة المجتمع المدني على عكس ما فعل الكثيرون عقب الحرب الأهلية التي حولت الصومال إلى حمام دماء ودمرت البلاد.
وبذل شيخ محمود جهداً لتطوير النظام التعليمي في البلاد تأكيداً منه على أهمية التعليم في مساعدة الصوماليين على النهضة بدولتهم التي دُمِّرت خلال سنوات الحرب الأهلية العنيفة. حيث تم انتخابه الرئيس الثامن في الانتخابات الرئاسية لعام 2012 بفضل خبرته ونجاحه في المجتمع المدني.
وقد كسب ثقة المجتمع خلال هذه الفترة من خلال وعوده بضمان المصالحة الوطنية وإجراءات مكافحة الفساد والإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية. في هذه الفترة بين عامي 2012-2017 أنجز شيخ محمود بصفته رئيساً للجمهورية مشاريع مهمة وفيها اكتسب الخبرة.
خسر حسن شيخ محمود الانتخابات لصالح منافسه محمد فرماجو عام 2017، إلا أنه لم يتخل في هذه الفترة عن حبه للصومال ولا عن العيش فيها وممارسة السياسة.
فكانت الخمس سنوات التي قضاها في المعارضة عبارة عن فترة “تقييم وإعادة نظر” بالنسبة له، حيث أسس في هذه الفترة حزب الاتحاد من أجل السلام والتنمية على أمل إيجاد حلول صومالية من أجل الصومال.
مسيرته الشخصية والخبرة التي اكتسبها في السياسة ورغبته في توحيد الأطراف المختلفة على حد سواء من أجل الصومال وإيمانه بالسلام أعاد شيخ محمود من المعارضة إلى القمة في عام 2022.
ويهدف الرئيس شيخ محمود إلى القضاء على منظمة الشباب الإرهابية وهي أهم مشكلة في البلاد بالإضافة إلى تسريع إعادة بناء الدولة وإعداد دستور دائم والارتقاء باقتصاد البلاد إلى المستوى الطبيعي.
بالإضافة إلى ذلك، يؤكد دوماً أنه سيسعى إلى إنشاء نظام يضمن سيادة القانون وتُحترم فيه حقوق وحريات الشعب.
** قائد جامع ومؤسس
الطريق إلى النهوض بالصومال ككل يمر عبر إعادة إعمار الدولة والمجتمع واللذان تفككا في الحرب الأهلية. ولهذا السبب هناك حاجة إلى نهج سياسي جامع وإرادة قوية لتوحيد المجتمع.
كما أظهرت الانتخابات الصومالية قدرة الرئيس شيخ محمود على الجمع بين مختلف شرائح المجتمع. هذا هو بالضبط سبب أهمية نهجه الجامع لمجتمع منقسم مثل الصومال.
بالإضافة إلى ذلك، من الضروري إعادة بناء مؤسسات الدولة وتحقيق القدرة على العمل ككل. وقد بذل شيخ محمود جهوداً مضنيةً لإحياء الدولة بين عامي 2012 و2017.
إن تجربته في عملية بناء الدولة والدروس التي استنتجها خلال فترة حكمه ورغبته في تعزيز التعاون مع المجتمع الدولي تبشر بنهضة الدولة الصومالية.
وجود هاتين السمتين معاً لدى شيخ محمود سينهض بالدولة الصومالية سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، الأمر الذي سيضع حدا للإرهاب في المنطقة ويملأ فراغ السلطة.
الصومال الذي ينتهي فيه الإرهاب والذي يتحد فيه المجتمع تحت مظلة الدولة والذي ينهض اقتصاديا لديه القدرة على أن يكون مفتاح السلام والأمن في المنطقة.
** مستقبل العلاقات التركية الصومالية
ويعتبر انتخاب حسن شيخ محمود رئيساً فرصة تاريخية على صعيد العلاقات التركية الصومالية للانتقال إلى مرحلة جديدة.
العلاقات التركية الصومالية التي اكتسبت زخماً جديداً عام 2011 بزيارة الرئيس رجب طيب أردوغان الذي كان حينها رئيساً للوزراء، تعمقت عام 2012 خلال رئاسة شيخ محمود.
وبصفتي شخصاً عمل دبلوماسياً في أنقرة خلال هذه السنوات، يمكنني أن أقول بصدق أن العلاقات الوثيقة بين أردوغان وشيخ محمود انعكست بشكل مباشر على العلاقات التركية الصومالية.
حيث تم تنفيذ أهم المشاريع بين البلدين خلال هذه الفترة، وكان شيخ محمود داعماً للشعب والدولة التركيين في كل فرصة إيماناً منه بأن دعم أنقرة قد لامس قلوب وعقول الشعب الصومالي.
ولهذا السبب كان هو (شيخ محمود) أول زعيم يدين محاولة الانقلاب الدموي لمنظمة غولن الإرهابية للإطاحة بالحكومة المنتخبة في تركيا.
وبدأت الشركات التركية بتشغيل أهم بوابتين للصومال على العالم وهما مطار عدن أدي الدولي وميناء مقديشو خلال فترة شيخ محمود.
كما بدأ خلال هذه الفترة بناء تركصوم، أكبر قاعدة عسكرية تركية خارج الحدود والتي افتتحها وزير الدفاع خلوصي أكار في سبتمبر 2017. وتساهم تركصوم في مستقبل الصومال من خلال تدريب الجنود الصوماليين المبجلين الذين يشكلون العمود الفقري للجيش الصومالي.
كما كان لشيخ محمود نصيب في تجديد وافتتاح مستشفى أردوغان، أكبر مستشفى في الصومال، من قبل وكالة التعاون والتنسيق التركية (تيكا) في عام 2015.
ووصل حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 187 مليون دولار عام 2018 بعدما كان 6 ملايين دولار عام 2010. وبدأ في هذه الفترة توجه آلاف الطلاب الصوماليين، والذين يُعتبرون مستقبل البلاد، إلى تركيا من أجل تحصيل العلم.
وساهمت تركيا في هذه الفترة في نهضة الدولة الصومالية من خلال العديد من مؤسسات الدولة أبرزها وزارة الخارجية ومؤسسة “تيكا” ورئاسة أتراك المهجر والمجتمعات ذوي القربى (YTB) ومؤسسة معارف ومعهد يونس امري ورئاسة الشؤون الدينية التركية.
وساهمت هذه العلاقات القائمة على الربح المتبادل والأخوة في رفع التعاطف المتزايد أصلاً بين الشعبين التركي والصومالي.
من المؤكد أن العلاقات التي تطورت واكتسب طابع الاستمرارية في الفترة الأولى من عهد محمود ستتعمق أكثر في الفترة الثانية. فتركيا كسبت قلوب كل من الشعب والنخبة السياسية والاقتصادية الصومالية بفضل دورها البنَّاء في الصومال.
ومن مصلحة الطرفين الارتقاء بهذه العلاقات التي قامت على الأخوة إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية في أبعادها السياسية والاقتصادية والعسكرية.
ونظراً لقدرة دولتها القوية وقوتها العسكرية وتجربتها في محاربة الإرهاب في الماضي تُعتبر تركيا مثالاً يحتذى به من قبل للصومال. لهذا السبب يتطلع الشعب إلى استمرارية دعم الأمة التركية له في الحرب ضد حركة الشباب وبناء الدولة كما في الماضي.
فالقضاء على الإرهاب سيمهد الطريق أمام العلاقات التركية الصومالية للمضي قدماً بأبعاد مختلفة لا سيما الاقتصادية منها. كما سيلعب تطوير العلاقات الاقتصادية دوراً مهماً في نهضة الدولة الصومالية والقضاء على الإرهاب على حد سواء.
لهذا السبب يتطلع شعب الصومال إلى استثمارات الأمة التركية في العديد من المجالات مثل التجارة والزراعة وتربية الحيوانات وصيد السمك والتعدين والطاقة.
** أمل جديد للصومال وأصدقائه
ويعتبر إعادة انتخاب سياسي ذي تجربه كحسن شيخ محمود رئيساً للجمهورية مرة أخرى، فسحة أمل للصومال وأصدقائه على اعتباره أنه اختراق غير مسبوق.
حيث أن نهج شيخ محمود الجامع وعزمه على محاربة حركة الشباب وإيمانه بسيادة القانون يفتح الباب أمام مستقبل واعد للصوماليين. وإذا تم التغلب على المشاكل المزمنة والقضاء على الإرهاب في المنطقة، يمكن للصومال أن يصبح أحد مراكز الديمقراطية في المنطقة.
وفي هذا الصدد، يتطلع الرئيس الجديد إلى الحصول دعم جميع الدول الصديقة والحليفة، وعلى رأسها تركيا، لإرساء الأمن وتحقيق النهضة في كل من الصومال وشرق إفريقيا.
لذا فإن العلاقات التي ستقام في العهدة الجديدة على مبدأ “الربح المتبادل” ستصب في مصلحة جميع الأطراف كما كان في الماضي.
——————
** مقال لوزير الدفاع الصومالي عبد القادر محمد نور
المصدر : الأناضول